الشيخ محمد صنقور
المراد من اليوم هو الوقت والآن، فهو تعالى له تدبيرٌ في الوجود والكون - بمختلف تفاصيله وأجزائه- في كلِّ آنٍ ووقت، فكلُّ مَن في السماوات والأرض يسألُه، أي شأنُه الفقر والحاجة إلى تدبير الله تعالى وقيوميَّته فلا يَستغني مِن شيءٍ عن تدبيره ولا يمتنعُ مِن شيءٍ عما يُريدُه له أو عليه.
وفي الآية إشارةٌ إلى حضِّ العباد ودعوتِهم إلى استشعار الفقر الدائم لله تعالى وملازمةِ الرجاءِ والخوف منه تعالى، فهو كلُّ يومٍ في شأنٍ يستحدث أشياءَ ويُجدِّد أحوالًا، فيَهبُ المُلك لمَن يشأء وينزعُه عمَّن يشاء، ويُذلُّ مَن يشاء وقد كان عزيزًا، ويُعزُّ مَن يشاء وقد كان ذليلًا، ويُصيب ببلائه مَن يشاء بما يشاء وقد كان في عافية، ويُعافي مَن يشاء وقد كان مكروبًا، ويَهبُ الغنى لبعض عباده وقد يسلبُه منه، ويُعطي القوَّة ثم يستبدلُها بضعفٍ، ويمنحُ العقل ثم يُصيِّر مِن واجده معتوهًا، ويُرادِفُ بين العُسر واليُسر والشدَّة والرخاء، ويستدرجُ ويُملي ويَعفو وقد يُعاجِل بالعقوبة، فليس للعبد العاقل أنْ يطمئنَّ لحال أو يقنط من حال، فاللهُ تعالى كلُّ يومٍ هو في شأن. لا ندرى في أيِّ وجهةٍ تعلَّقتْ إرادتُه وعلى أيِّ نحوٍ اقتضتْ مشيئتُه.
وقد رُوي أنَّ أبا الدرداء رحمه الله سأل النبيَّ (ص) عن قوله تعالى: ﴿كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ﴾ فقال (ص): "من شأنه أنْ يغفر ذنبًا، ويُفرِّج كربًا، ويرفعَ قومًا، ويضعَ آخرين"(1).
وفي تفسير القمِّي قال: قال عليُّ بنُ الحسين عليه السلام: في قوله تعالى: ﴿يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ﴾(2) قال: "يُحيي ويُميت ويرزق ويزيد ويُنقِص"(3).
وبتعبيرٍ آخر: إنَّ لله تعالى مع كلِّ عبدٍ في كلِّ آنٍ فعلٌ وتدبيرٌ قد يتشابه ولكنَّه لا يتكرر، فإحياؤه له في الآنِ الأول ليس كالإحياء له في الآن الثاني، وتمكينه في الآنِ الأول ليس كتمكينه في الآن الثاني وإن تشابه كلٌّ من التمكينين، فله تعالى مع كلِّ عبد شأنٌ في كلِّ آن، لذلك فهو لا يستغني عن تدبير الله تعالى، وهذا هو معنى قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إلى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾(4) فالفقر لله تعالى دائمٌ ومتجدِّد لا يخلو منه آن، ولله مع كلِّ آنٍ شأنٌ وتدبير قد يتشابه، وقد يتفاوت، وقد يتباين.
فليس معنى: ﴿كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ﴾ أنَّه تعالى معرضٌ للحوادث والأحوال، فلا يطرأ عليه تعالى تغييرٌ وهو لكماله المطلق غيرُ قابلٍ للزيادة والتحوُّل، فالتحوُّل إنَّما هو بلحاظ ما يفعله تعالى بخلقه، فهو جلَّ وعلا يستحدثُ الخلائق ثم لا يمتنعُ عليه تحويلُها من حالٍ إلى حال، ولا يترتَّب عن استحداثِها استغناؤها واستقلالُها عن تدبيره، فلها في كلِّ آنٍ تدبيرٌ منه وتحويل، ولعلَّ ذلك هو ما يُشير إليه قولُه تعالى: ﴿بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾(5).
________________________________________
1- مجمع البيان للطبرسي ج9 ص 338.
2- الرحمن/29.
3- تفسير القمي - ج2 ص 345.
4- فاطر/15.
5- ق/15.
الشيخ جعفر السبحاني
الشيخ محمد الريشهري
الشيخ عبد الله الجوادي الآملي
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
عدنان الحاجي
الفيض الكاشاني
السيد عباس نور الدين
الشيخ محمد مهدي الآصفي
الشيخ نجم الدين الطبسي
د. سيد جاسم العلوي
جاسم بن محمد بن عساكر
حسين حسن آل جامع
عبدالله طاهر المعيبد
رائد أنيس الجشي
ناجي حرابة
الشيخ علي الجشي
السيد رضا الهندي
عبد الوهّاب أبو زيد
فريد عبد الله النمر
جاسم الصحيح
سفينة البحار ومدينة الحِكم والآثار
تمهيد في تعريف المفهوم
الكسل عنوان الفشل
يوسف الصدّيق، أسوة الشباب في القرآن الكريم
آثار الانتظار (2)
الألفة والانفراديّة في القرآن الكريم (2)
إظهار مشاعر الاندهاش والإجلال تجاه الطّفل تجعل تربيته أكثر سعادة
وعلى هواك
منشأ العصمة وسببها
الألفة والانفراديّة في القرآن الكريم (1)