
إنّ أكثر ما يعكر صفو روح الإنسان في الدنيا هو عدم الشعور بالأمان في شتى مناحي الحياة، وعدم الشعور بحلاوة الدنيا يعود في الغالب إلى عدم ثقة الإنسان بما بين يديه، فهو غير واثق من المستقبل ولا هو واثق من أبناء جنسه، لا سيما إذا كانت لدية نعمة أكثر فهو يجد نفسه عرضة لأمواج متلاطمة من الحقد والحسد والكراهية بما يجعل الدنيا مظلمة في عينيه.
وإحدى النعم الروحية المتوفّرة في الجنّة هي الشعور بالأمن والأمان في جميع المجالات، فلا خوف من اندلاع الحرب ولا وجل من المخاصمات، ولا الحقد له وجود ولا الحسد، والعشق والوفاء يملأ الأرجاء، وكذلك المحّبة والأخوّة تحيط بالجميع.
نلاحظ في القرآن الكريم آيتين فيهما وصف جميل وغني للجنّة وهو «دار السلام» وهذا ما جاء في الآية الكريمة: {لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعمَلُونَ}. (الأنعام/ 127). وكذلك جاء هذا الوصف في قوله تعالى: {وَاللَّهُ يَدعُوا إِلَى دَارِ السَّلَامِ}. (يونس/ 25)
ينقسم المفسرون في تفسيرهم لمعنى (دار السلام) إلى قسمين:
الأول: يرى أنّ السلام هنا يعني السلامة من كل ألم وآفة وبلاء، وهو من أوصاف الدار أي: الجنّة، فلا وجود هناك لصراع الناهبين في الدنيا المادّية ولا أثر للسلوكية المنحرفة لأصحاب الثروة الغافلين عن ذكر اللَّه، ذلك المكان خالٍ من الحروب وإراقة الدماء ولا مكان فيه للاستعمار والاستثمار، نعم هناك دار السلام والوئام والأمن والأمان.
الثاني: يرى أنّ السلام من أسماء اللَّه، وعلى هذا فدار السلام هي من قبيل المضاف والمضاف إليه، وهو إشارة إلى أنّ الجنّة دار اللَّه، وكلا المعنيين جميل رغم أنّ المعنى الأول يبدو مناسباً أكثر، لأنّ أصل هذه المفردة - بناءً على قول الراغب الإصفهاني - يعني الخلو والسلامة من العيب والنقص الظاهري والباطني، حتّى أنّ هذه المفردة أطلِقت على ذات الباري عزّ وجلّ كواحدة من صفاته وأسمائه الحُسنى، لأنّ ذاته المقدّسة سالمة من العيب والفناء.
ويظهر كذلك من جملة (لهم دار السلام) أنّها تتطابق والمعنى الأول. (تأمل).
وورد في حديث عن ابن عّباس أنّه قال: «دار السلام: الجنّة وأهلها لهم السلامة من جميع الآفات والعاهات والأمراض والاسقام، ولهم السلامة من الهرم والموت وتغير الأحوال عليهم، وهم المكرمون الذين لا يهانون أبداً، وهم السعداء الذين لا يشقون أبداً، وهم الفرحون المسرورون الذين لا يغتمون ولا يهتمون أبداً، وهم الأحياء الذين لا يموتون أبداً، فهم في قصور الدر والمرجان أبوابها مشرعة إلى عرش الرحمن والملائكة يدخلون عليهم من باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار» «1».
وأخيراً تأتي تكملة هذا الموضوع في الآية الكريمة: {وَنَزَعْنَا مَا فِى صُدُورِهِمْ مِّنْ غِلٍّ اخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ * لا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِّنهَا بِمُخْرَجِينَ} «2». (الحجر/ 47- 48)
وبما أنّ كلمة «غل» تحتمل الكثير من المعاني الواسعة التي تدل في الغالب على الصفات الباطنية القبيحة التي تعكر صفو الروح والجسد والعائلة والمجتمع، لهذا يفهم من هذه الآية أنّ صدور أهل الجنّة خالية من الحقد ولا تحمل قلوبهم أي ضغينة وعداوة وكبر وحسد، فاللَّه قد نزع من قلوبهم كل هذه الصفات الرذيلة، فسادتهم روح الأخوة والمحّبة. وما أجمل وألطف مثل هذه الأجواء الخالية من تلك الصفات التي يخيم عليها الحب والعطف والسلام والوئام.
وحتى في الحياة الدنيا كلما أزيلت أمثال هذه الرذيلة من المجتمع ساده الأمن والاستقرار، وعلى العكس من ذلك كلما انتشر وجود أمثال هذه الظواهر في أي بيت أو مجتمع أصبحت مصدراً للنزاعات الدامية والمؤسفة وسبباً لزعزعة الأمن والاستقرار.
وممّا يثير الاهتمام أنّ القرآن الكريم جعل الاستقرار الداخلي مكمّلًا للاستقرار الخارجي حيث يقول: لا يوجد في الجنّة تعب أو اضطراب، وينعدم فيها الخوف من زوال النعم، وهو الهاجس الذي يقلق بال الإنسان الذي ينعم بالخيرات ويكدّر عليه عيشه، وكل هذه الأسباب تجعل من نعم الجنّة هنيئة مستساغة «3».
__________________________
(1). بحار الأنوار، ج 8، ص 194، ح 176.
(2). «غلّ» مشتقّة من كلمة «غلل» على وزن «بَلَل»، وتعني في الأصل النفوذ التدريجي للشيء، ولهذا يُقال للماء الذي يجري ويتسلل بين الأشجار (غلل)، وكذلك يقال للحسد والحقد والعداوة «غل» لأنّها تنفذ إلى القلب خفية وبالتدريج، وكذلك يطلق على الخيانة اسم «الغلول» لهذا السبب.
(3). ورد ما يشابه هذا المضمون مع بعض الاختلاف الجزئي في: الآية 43 من سورة الأعراف؛ والآية 35 من سورة فاطر.
سبيل غلبة العقل على النفس
الشيخ عبد الله الجوادي الآملي
بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ
الشيخ محمد جواد مغنية
أهميّة المداراة وخطورة المداهنة
الشيخ محمد مصباح يزدي
في رحاب بقية الله: ليمكّننّ له الدين
الشيخ معين دقيق العاملي
كيف تنمّي الشخصية الأخلاقية في طفلك؟
عدنان الحاجي
معنى (قضى) في القرآن الكريم
الشيخ حسن المصطفوي
النّفاق والتّظاهر
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
حياتنا بين البخل والترف
الشيخ حسين مظاهري
التمهيد إلى ميتافيزيقا إسلاميّة بَعديّة (4)
محمود حيدر
ما الذي ينقصنا في عصر المعرفة؟
السيد عباس نور الدين
السيدة الزهراء: وداع في عتمة الظلمات
حسين حسن آل جامع
واشٍ في صورة حفيد
حبيب المعاتيق
أيقونة في ذرى العرش
فريد عبد الله النمر
سأحمل للإنسان لهفته
عبدالله طاهر المعيبد
خارطةُ الحَنين
ناجي حرابة
هدهدة الأمّ في أذن الزّلزال
أحمد الرويعي
وقف الزّمان
حسين آل سهوان
سجود القيد في محراب العشق
أسمهان آل تراب
رَجْعٌ على جدار القصر
أحمد الماجد
خذني
علي النمر
ستّ طرق لاستخدام القلق كمصدر للنّمو
سبيل غلبة العقل على النفس
بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ
أهميّة المداراة وخطورة المداهنة
في رحاب بقية الله: ليمكّننّ له الدين
كيف تنمّي الشخصية الأخلاقية في طفلك؟
القصيدة بين الذّات والآخر، أمسية شعريّة للشّاعر حسين اللّويم
الجزء الثّاني من كتاب الشّاعر والرّادود عبدالشهيد الثور: (قضايا مأتميّة)
هل البكتيريا تأكل البلاستيك حقًّا؟
هل حان الوقت لتصنيف مرض الزهايمر على أنه مرض السكري من النوع الثالث؟