قد يبدو من بعض الروايات أن العزلة والابتعاد عن ممارسة العمل الاجتماعي والعلاقات العامة مع الناس هو المنهج الأفضل.
فقد ورد في نص عن الإمام الصادق (عليه السلام) رواه الكليني في روضة الكافي بسند معتبر عن حفص بن غياث أنه قال: «إن قدرت أن لا تخرج من بيتك فافعل، فإن عليك في خروجك أن لا تغتاب ولا تكذب ولا تحسد ولا ترائي ولا تتصنّع ولا تداهن... ثم قال: نعم صومعة المسلم بيته، يكفّ فيه بصره ولسانه ونفسه وفرجه...» (1).
وورد في تفسير علي بن إبراهيم عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في حديث قال: «طوبى لمن لازم بيته وأكل كسرته وبكى على خطيئته، وكان من نفسه في تعب والناس منه في راحة» (2).
ولكن هذه الروايات يمكن تفسيرها - كما صنع صاحب الوسائل في تعليقته على هذه الأحاديث - بأنها تختص بالحالات الاستثنائية التي يجد الإنسان فيها نفسه ضعيفاً أمام الضغوط والإغراءات فيحتاط لنفسه بالعزلة حيث يشق عليه اجتناب مفاسد المعاشرة.
أو تفسيرها على أساس أنها أسلوب من أساليب التربية والتحذير والتنبيه إلى مخاطر المعاشرة التي هي أمر ضروري للناس لا يمكن أن يستغنوا عنه في حياتهم، فلا بدّ للانسان أن يكون حذراً من عواقبها وآثارها كما تشير إليه الرواية الأولى: «إن قدرت على أن لا تخرج...» ويؤكد هذا التفسير الرواية التي تقول: « إن أحداً لا يستغني عن الناس في حياته، والناس لا بدّ لبعضهم من بعض»؛ وإلاّ فإن الله سبحانه قد خلق الإنسان للامتحان والابتلاء والفتنة ليتكامل من خلال تحمّل المسؤولية واختيار الحق في مقابل الباطل، والصالح في مقابل الفاسد، كل ذلك حسب المسار الطبيعي لحركة الإنسان في الكون والمجتمع؛ والهروب من الامتحان والفتنة بالهروب من المجتمع والحياة لا يحقق هذا الهدف التكاملي.
ومع قطع النظر عن هذين الاحتمالين اللذين يمكن الجمع بهما بين هذه الروايات لا يمكن الالتزام - علمياً - بالاتجاه الذي قد يفهم من مضمون القسم الثاني من هذه الروايات على عمومه وإطلاقه، حيث إن القسم الأول من الروايات موافق للقرآن الكريم والسنّة النبوية، وهو أكثر عدداً وأوثق سنداً وأكثر اشتهاراً بين علماء الجماعة الصالحة وعليه العمل والسيرة العامة للعلماء والصالحين.
وقد علّق العلاّمة الطبرسي في مجمع البيان على هذا الموضوع بقوله: «وقد جاء في الحديث النهي عن التبتّل والانقطاع عن الناس والجماعات والنهي عن الرهبانية والسياحة» (3).
ويؤكده الآية الكريمة: (ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلاّ ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها...) (4) حيث إن الترهب بمعنى الخوف والرهبة والتخشّع منه تعالى والتعبّد له وإن كانت مكتوبة على هؤلاء الناس من أتباع المسيح (عليه السلام) ولكنهم لم يرعوها حق رعايتها فجعلوها انقطاعاً عن الناس والنساء، وتخلّفاً عن الواجبات والمسؤوليات، وحرفة ومهنة وليست مجرّد فرار من أخطار القتل أو الفتنة (5).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) وسائل الشيعة 11 : 283 ، ح 1 . وفي الهامش بقية نص الحديث.
(2) المصدر السابق : 284 ، ح 5 . وفي نفس الباب أحاديث أخرى بهذا الاتجاه.
(3) وسائل الشيعة 11 : 285 ، ح 7 ب 51 ، استحباب لزوم المنزل.
(4) الحديد : 27.
(5) راجع : تفسير الطبرسي في تفسير هذه الآية الكريمة ، حيث يشير إلى حديث ابن مسعود الذي يذكر فيه النبي أن « رهبانية أمتي : الهجرة والجهاد والصلاة والصوم والحج والعمرة ».
الشيخ محمد مصباح يزدي
الشيخ محمد مهدي الآصفي
حيدر حب الله
الشيخ محمد صنقور
السيد عباس نور الدين
محمود حيدر
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
السيد عبد الحسين دستغيب
الشيخ عبد الله الجوادي الآملي
عدنان الحاجي
جاسم بن محمد بن عساكر
حسين حسن آل جامع
عبدالله طاهر المعيبد
رائد أنيس الجشي
ناجي حرابة
الشيخ علي الجشي
السيد رضا الهندي
عبد الوهّاب أبو زيد
فريد عبد الله النمر
جاسم الصحيح
جسد على حبل غسيل
العدد السّابع والثّلاثون من مجلّة الاستغراب
كلمة موجزة حول الجمال
سعة الصدر
معنى الإمامة في قوله تعالى: (إني جاعلك للناس إماماً)؟
﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ﴾
معضلة العلم الكبرى
علي آل قمبر يتوّج بجائزة بودلير للشّعر في إيطاليا
الفنّانة التّشكيليّة إيمان الجشّي، تشارك في معرض World Art Dubai
إله فلسفة الدين والله الموحي في الفلسفة الدينيَّة