
قال تعالى: (الّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنّ الْقُلُوبُ) (الرعد / 28).
إن الدنيا سوق ربح فيها قوم وخسر آخرون، والله بلطفه وعنايته حذر المؤمنين من الخسران وبينّ أسبابه في قوله: (يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لاَ تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) (المنافقون / 9)، فذكر الله اذاً سبب لاطمئنان القلوب، واللهو والغفلة عنه، سبب لخسارة فادحة حذرت منها الآية الكريمة…، فعلى كل مؤمن أن يكون من الذاكرين لهذين السببين ولقوله تعالى: (وَاذْكُر رَبّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوّ والآصَالِ وَلاَ تَكُن مِنَ الْغَافِلِينَ) (الأعراف / 205)، ولقوله سبحانه: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ) (البقرة /152).
فالعبد المحب حقاً من كان يذكر معبوده ومعشوقه ومحبوبه دوماً، فلا يغفل عن ذكره، طرفة عين أبداً، ليصبح من أهل الذكر والتذكر، قال سبحانه: (إِنّ الّذِينَ اتّقَوْا إِذَا مَسّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشّيْطَانِ تَذَكّرُوا فَإِذَا هُم مُبْصِرُونَ) (الأعراف / 201)، فالتذكر هو الحد الوسط مقدماته التقوى، ونتيجته البصيرة والإبصار والمتقي من أهل الذكر صاحب بصيرة يقف على حقائق الأشياء كما هي بحسب الطاقة البشرية.
فما هي الصفات الأخرى لأهل الذكر؟
من صفات أهل الذكر:
بالإضافة إلى الإيمان والتقوى نستطيع استكشاف الصفات التالية سلباً وإيجابا لأهل الذكر… فهم:
* أولو الألباب والفكر والدعاء: (… لَأُوْلِي الْأَلْبَابِ * الّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكّرُونَ فِي خَلْقِ السّماوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبّنَا مَا خَلَقْتَ هذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النّارِ) (آل عمران / 190ـ191).
* وهم أهل الصلاة: (فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصّلاَةَ فَاذْكُرُوا اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُمْ) (النساء /103)، (…فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصّلاَةَ لِذِكْرِي) (طه / 14).
* وهم أعداء الشيطان، الذي يصدّ عن ذكر الله: (إِنّمَا يُرِيدُ الشّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ... وَيَصُدّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصّلاَةِ....) (المائدة / 91).
* وهم ليسوا كالفاسقين: (... الّذِينَ نَسُوا اللّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (الحشر / 19).
* وليسوا كالأعمى، الذي أعرض عن ذكر الله: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً * قَالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى) (طه / 124ـ126).
* وليسوا كالمنافقين وأقران الشياطين الذين: (… وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصّلاَةِ قَامُوا كُسَالى يُرَاءُونَ النّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلّا قَلِيلاً) النساء / 142، ( وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرّحْمنِ نُقَيّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ * وَإِنّهُمْ لَيَصُدّونَهُمْ عَنِ السّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنّهُم مُهْتَدُونَ) (الزخرف / 36ـ37)، ويمكن بأدنى تأمل معرفة الكثير عن صفات أهل الذكر الثابتة لهم، ونفي وسلب صفات أخرى، ثابتة لمن غفل عن ذكر الله…
وزبدة المخاض: أهل الذكر هم: أولياء الله العلماء البررة الكرام، وهم أهل القرآن، إذ من أسماء القرآن (الذكر) قال تعالى: (إِنّا نَحْنُ نَزّلْنَا الذّكْرَ وَإِنّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر / 9).
أهل الذكر وأهل البيت (عليهم السلام):
إذا افترضنا أن أهل الذكر هم أهل القرآن، وأن أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هم ورثة الأنبياء (عليهم السلام)، خصوصاً النبي محمداً (صلى الله عليه وآله وسلم)، فيكون علم القرآن مكنوزاً عند أهل البيت (عليهم السلام)، وفي صدورهم، وبالتالي تنطبق صفة أهل الذكر على أئمة الهدى من أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وإن شملت غيرهم ممن تعلّم ونهل من علمهم، واهتدى بهديهم.
فأهل الذكر هم الأئمة الأطهار الاثنا عشر، عترة النبي المختار (صلى الله عليه وآله وسلم)، ومن كان منهم كسلمان المحمدي الذي هو (سلمان منّا أهل البيت) وذلك لقوله تعالى: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لاّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَإِقَامِ الصّلاَةِ وَإِيتَاءِ الزّكَاةِ) (النور/ 36ـ37)، ولقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض)، والحديث متواتر عند المسلمين، وكل ما في القرآن من العلوم والمعارف هو عند أهل البيت، العترة الطاهرة (عليهم السلام)، إذ هما لن يفترقا حتى يردا الحوض على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
وقد أخرج ابن مردويه عن أنس بن مالك وبريدة قالا: قرأ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هذه الآية: (في بُيُوتٍ أَذِنَ اللّهُ…) فقام إليه رجل فقال: أي بيوت هذه يا رسول الله : قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : (بيوت الأنبياء)، فقام إليه أبو بكر فقال: يا رسول الله هذا البيت منها (بيت علي وفاطمة)؟ قال: (نعم من أفاضله) (1)، فليست البيوت بيوت حجارة أو طين، وإنما بيوت العلم والتقى والهدى، وبيوت أصحاب الإيمان والتوحيد والبكاء والخشوع والخشية والإخلاص.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ ميزان الحكمة، محمد الري شهري، ج3، ص436.
                    
                        الهداية والإضلال                    
                    
                        الشيخ شفيق جرادي
                    
                        حقّانية المثنّى كمبدأ أنطولوجي (5)                    
                    
                        محمود حيدر
                    
                        كيف ننمّي الذكاء الاجتماعي في أولادنا؟                    
                    
                        السيد عباس نور الدين
                    
                        الذنوب التي تهتك العصم                    
                    
                        السيد عبد الأعلى السبزواري
                    
                        كلام في الإيمان                    
                    
                        السيد محمد حسين الطبطبائي
                    
                        شكل القرآن الكريم (1)                    
                    
                        الدكتور محمد حسين علي الصغير
                    
                        الإسلام أوّلاً                    
                    
                        الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
                    
                        لا تجعل في قلبك غلّاً (2)                    
                    
                        السيد عبد الحسين دستغيب
                    
                        معنى (لمز) في القرآن الكريم                    
                    
                        الشيخ حسن المصطفوي
                    
                        التحسس الغلوتيني اللابطني لا علاقة له بمادة الغلوتين بل بالعامل النفسي                    
                    
                        عدنان الحاجي
                    
                        اطمئنان                    
                    
                        حبيب المعاتيق
                    
                        الحوراء زينب: قبلة أرواح المشتاقين                    
                    
                        حسين حسن آل جامع
                    
                        أيقونة في ذرى العرش                    
                    
                        فريد عبد الله النمر
                    
                        سأحمل للإنسان لهفته                    
                    
                        عبدالله طاهر المعيبد
                    
                        خارطةُ الحَنين                    
                    
                        ناجي حرابة
                    
                        هدهدة الأمّ في أذن الزّلزال                    
                    
                        أحمد الرويعي
                    
                        وقف الزّمان                    
                    
                        حسين آل سهوان
                    
                        سجود القيد في محراب العشق                    
                    
                        أسمهان آل تراب
                    
                        رَجْعٌ على جدار القصر                    
                    
                        أحمد الماجد
                    
                        خذني                    
                    
                        علي النمر
                    
                        الهداية والإضلال
                    
                        حقّانية المثنّى كمبدأ أنطولوجي (5)
                    
                        كيف ننمّي الذكاء الاجتماعي في أولادنا؟
                    
                        (قضايا مأتميّة) الكتاب الإلكترونيّ الأوّل للشّاعر والرّادود عبدالشهيد الثور
                    
                        مركز (سنا) للإرشاد الأسريّ مشاركًا خارج أسوار برّ سنابس
                    
                        شروق الخميس وحديث حول الأزمات النّفسيّة وتأثيرها وعلاجها
                    
                        نشاط غير عادي في أمعائنا ربما ساعد أدمغتنا أن تنمو أكبر
                    
                        الذنوب التي تهتك العصم
                    
                        (ما بين العواصف والرّمال) إصدار تأمّليّ لحسن الرّميح
                    
                        كلام في الإيمان