
القرآن كتاب عميق له درجات ومراتب، يتزوّد منه الجميع كلٌّ بقدر فهمه، ويمتلك في الوقت نفسه ظاهراً واضحاً قابلًا لدرك عامّة الناس، وباطناً ذا منازل ودرجات، فكلٌّ يمضي فيه إلى درجة ومنزلة ما لا يعدوها إلى غيرها من منازل القرآن، ولا يفهم معانيه العميقة وبواطنه، مضافاً على ما يتطلّبه فهم باطن القرآن وحقيقته من التزكية والطهارة؛ فحقيقة القرآن وعمقه وباطنه ليست ممّا يُنال بالمطالعة والقراءة فقط.
(فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ، وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ، إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ، فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ، لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ، تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ). «1»
لذا، فعلى من ينشد الوصول إلى حقيقة القرآن ومعانيه العميقة وأسراره الباطنيّة أن يصل أوّلًا إلى حقيقة الطهارة المطلقة، وذلك بمتابعته والسير على نهجه وخطّه، وبعبور عالم النفس الأمّارة ليقع ناظره على جمال الحضرة الأحديّة ويصل إلى مقام التوحيد المطلق.
أي أنّ نفس القرآن والعمل به سيأخذان بيده شيئاً فشيئاً ودرجة درجة إلى الأعلى ليفوز بالدرجة العليا ويحظى بالسهم الأوفى.
فالعلم بالقرآن يستوجب العمل به، وذلك العمل يستلزم ويستتبع علماً أعلى، ثمّ إنّ ذلك العلم سيورث عملًا أعلى، وذاك العمل الأعلى سيورث علماً أعلى، وهلمّ جرّا.
فكلّ مرتبة من مراتب العلم والعمل في المرتبة الأدنى تورث العلم والعمل في المرتبة الأعلى حتى يصلا به إلى العلم المطلق والعمل المطلق، أي العلم اللامتناهي والعمل الطاهر الخالص المحض الذي لا تشوبه شائبة من أنانيّة أو هوى أو نزوع إلى غير الله سبحانه.
وهذا هو مقام الفناء في الله تعالى الذي يحصل للعامل بالقرآن، وهنا تصبح حقيقة كتاب الله مشهودة ومحسوسة وملموسة، فينظر بالعين الإلهيّة إلى كتابه، ويسمع بالأذن الإلهيّة كلامه، ويقرأ باللسان الإلهيّ قرآنه، فهنا عبدٌ ولا ربّ، وهو لا يدّعي الربوبيّة ومقامها، بل هنا عبدٌ، هنا محوٌ وإطلاق، ولا شيء هنا غير الذات القدسيّة للحضرة الأحديّة.
وهذا المقام مختصّ بالمقرّبين إلى مقام الحقّ تعالى، والسالكين الواصلين، والمحترقين الوالهين الحيارى؛ أمّا سائر الناس فكلٌّ سيستفيد من علوم القرآن بحسب فهمه وقدرته العقليّة، وكذلك بقدر تقواه وطهارته المكتسبة؛ فمن حاز التقوى والطهارة قوي عقله، وقاده القرآن وأرشده إلى درجة أفضل.
إنّ درجات ومراتب فهم القرآن أشبه بدرجات سلّم البناء، فللوصول إلى الدرجة الأعلى لابدّ من عبور الدرجة التي تسبقها، والدرجة الأدنى هي ممهّد ومعدٌّ للصعود والرقيّ إلى الدرجة الأعلى، وهكذا إلى أن يصل السّطحَ فهو نور على نور.
يروي الكلينيّ بإسناده عن جابر، عن الإمام محمّد الباقر عليه السلام أنّه قال: يَجِيءُ القُرْآنُ يَوْمَ القِيَامَةِ في أحْسَنِ مَنْظُورٍ إليه صُورَةً، فَيَمُرُّ بِالمُسْلِمِينَ فَيَقُولُونَ. هَذَا الرَّجُلُ مِنَّا. فَيُجَاوِزُهُمْ إلى النَّبِيِّينَ. فَيَقُولُونَ. هُوَ مِنَّا. فَيُجَاوِزُهُمْ إلى المَلَائِكَةِ المُقَرَّبِينَ؛ فَيَقُولُونَ. هُوَ مِنَّا. حَتَّى يَنتَهِي إلى رَبِّ العِزَّةِ عَزَّ وَجَلَّ. فَيَقُولُ. يَا رَبِّ! فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ، أظْمَأتُ هَوَاجِرَهُ، وَأسْهَرْتُ لَيْلَهُ في دَارِ الدُّنْيَا! وَفُلانُ بْنُ فُلانٍ، لَمْ أظْمِئْ هَوَاجِرَهُ؛ وَلَمْ أسْهِرْ لَيْلَهُ! فَيَقُولُ تَبَارَكَ وَتعالى. أدْخِلْهُمُ الجَنَّةَ عَلَى مَنَازِلِهِمْ! فَيَقُومُ؛ فَيَتْبَعُونَهُ؛ فَيَقُولُ لِلْمُؤْمِنِ. اقْرَأ، وَارْقَهْ! قَالَ. فَيَقْرَا وَيَرْقَى حتى يَبْلُغَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ مَنْزِلَتَهُ التي هي لَهُ فَيَنْزِلُهَا. «2».
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) - الآيات 75 إلى 80 ، من السورة 56 . الواقعة.
(2) - « أصول الكافي » ج 2 ، ص 601.
شكل القرآن الكريم (2)
الدكتور محمد حسين علي الصغير
الهداية والإضلال
الشيخ شفيق جرادي
حقّانية المثنّى كمبدأ أنطولوجي (5)
محمود حيدر
كيف ننمّي الذكاء الاجتماعي في أولادنا؟
السيد عباس نور الدين
الذنوب التي تهتك العصم
السيد عبد الأعلى السبزواري
كلام في الإيمان
السيد محمد حسين الطبطبائي
الإسلام أوّلاً
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
لا تجعل في قلبك غلّاً (2)
السيد عبد الحسين دستغيب
معنى (لمز) في القرآن الكريم
الشيخ حسن المصطفوي
التحسس الغلوتيني اللابطني لا علاقة له بمادة الغلوتين بل بالعامل النفسي
عدنان الحاجي
اطمئنان
حبيب المعاتيق
الحوراء زينب: قبلة أرواح المشتاقين
حسين حسن آل جامع
أيقونة في ذرى العرش
فريد عبد الله النمر
سأحمل للإنسان لهفته
عبدالله طاهر المعيبد
خارطةُ الحَنين
ناجي حرابة
هدهدة الأمّ في أذن الزّلزال
أحمد الرويعي
وقف الزّمان
حسين آل سهوان
سجود القيد في محراب العشق
أسمهان آل تراب
رَجْعٌ على جدار القصر
أحمد الماجد
خذني
علي النمر
أظافر قدميك تكشف إذا كنت تعرضت لسبب غير مرئي لسرطان الرئة
شكل القرآن الكريم (2)
الهداية والإضلال
حقّانية المثنّى كمبدأ أنطولوجي (5)
كيف ننمّي الذكاء الاجتماعي في أولادنا؟
(قضايا مأتميّة) الكتاب الإلكترونيّ الأوّل للشّاعر والرّادود عبدالشهيد الثور
مركز (سنا) للإرشاد الأسريّ مشاركًا خارج أسوار برّ سنابس
شروق الخميس وحديث حول الأزمات النّفسيّة وتأثيرها وعلاجها
نشاط غير عادي في أمعائنا ربما ساعد أدمغتنا أن تنمو أكبر
الذنوب التي تهتك العصم