قرآنيات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ حسن المصطفوي
عن الكاتب :
من علماء إيران المعاصرين، ولد سنة 1336هـ وتوفي يوم الإثنين 20 جمادي الأولى 1426 هـ عن تسعين سنة، حاصل على شهادة الدكتوراه من كلية الالهيات في تبريز ( المعقول والمنقول). له مؤلفات عديدة منها: rn(التحقيق في كلمات القرآن).

معنى (قضى) في القرآن الكريم

مقا - أصل صحيح يدلّ على إحكام أمر وإتقانه وإنفاذه لجهته. والقضاء: الحكم - فاقض ما أنت قاض - أي اصنع واحكم، ولذلك سمّى القاضي قاضيًا، لأنّه يحكم الأحكام وينفذها. وسمّيت المنيّة قضاء لأنّه أمر ينفذ في ابن آدم وغيره من الخلق، فإذا همز تغيّر المعنى.

 

مصبا - قضيت بين الخصمين وعليهما: حكمت. وقضيت وطري: بلغته ونلت. وقضيت الحاجة كذلك. وقضيت الحجّ والدين: أدّيته. واستعمل العلماء القضاء في العبادة الّتى تفعل خارج وقتها المحدود شرعًا. والقضاء مصدر في الكلّ. واستقضيته: طلبت قضاءه. واقتضيت منه حقّي: أخذت. وقاضيته: حاكمته.

 

صحا - القضاء: الحكم، وأصله قضأي لأنّه من قضيت إلّا أنّ الياء لمّا جاءت بعد الألف همّزت، والجمع الأقضية، والقضيّة مثله، والجمع القضايا على فعالي، والأصل فعائل. وقد يكون بمعنى الفراغ، تقول قضيت حاجتي، وضربه فقضى عليه أي قتله كأنّه فرغ منه، وسمّ قاض، أي قاتل. وقد يكون بمعنى الأداء والإنهاء، تقول قضيت ديني، وقد يكون بمعنى الصنع والتقدير- فقضاهنّ سبع سماوات، ومنه القضاء والقدر. ويقال استقضى فلان أي صيّر قاضيًا.

 

التحقيق

 

أنّ الأصل الواحد في المادّة: الإنهاء في قول أو عمل، بمعنى الإتمام و‌ البلوغ إلى النهاية فيهما.

 

ومن مصاديقه: الحكم القاطع الفاصل في أي شي‌ء. والبلوغ إلى منتهى المقصود في رفع الحاجة. وأداء الحجّ والعبادة والصلوة وإتمامها. وتأدية الدين والحقّ. وإتمام العمل والبلوغ إلى آخره. وأمّا مفاهيم الفراغ، القتل، الإنفاذ: فمن آثار الأصل.

 

وأمّا مفهوم القضاء للعبادة الفائتة: فإنّه إتمام الواجب وإكمال عمله وإبلاغه إلى الحدّ الواجب على المكلّف حتّى تفرغ ذمّته.

 

وأمّا القضاء والتقدير: فالقضاء هو إنهاء وإتمام في جهة الحكم في أي موضوع، حتّى ينتهى الحكم في المورد إلى كماله وآخره.

 

والتقدير يتحقّق بعده في مقام التطبيق والتحقيق في الخارج، على قيود وحدود مخصوصة.

 

وأمّا الفرق بين القضاء والحكم: فإنّ النظر في القضاء إلى جهة الإتمام والإنهاء. وفي الحكم إلى جهة الإحكام والبت.

 

فالقضاء في الحكم: كما في - {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ} [الأحزاب : 36]. {إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ} [النمل : 78]. {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} [الإسراء : 23] أي إذا انتهى حكمه وتمّ، وهو يتمّ قاطعًا بحكمه فيما اختلفوا، وهو ينهى ويحكم حكمه بأن لا تعبدوا إلّا إيّاه.

 

فالآية الثانية (يقضى بينهم بحكمه) تدلّ على مغايرة بين الحكم والقضاء، وتأخير الحكم يدلّ على خصوصيّة زائدة في الحكم، وهي الإحكام والبتّيّة والقاطعيّة، فإنّ الإنهاء والإتمام أعمّ مفهومًا. وعلى هذا يذكر القدر بعد القضاء، فإنّ في التقدير تعيين وتطبيق وتحديد.

 

والقضاء في العمل: كما في - {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ} [الجمعة : 10]. {فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} [طه : 72]. {فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ} [سبأ : 14]. {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ} [البقرة : 200] يراد إتمام الصلوة. وإنهاء العمل والعقوبة فيهم. وإتمام الموت.

 

والقضاء في الزمان: كما في - {ثُمَّ قَضَى أَجَلًا} [الأنعام : 2]. {فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ} [القصص : 29] والقضاء في القصد والبرنامج: كما في - {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا} [الأحزاب : 37]. {فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} [الأحزاب : 23] وهذا القضاء وكذلك في الزمان مرجعهما إلى العمل، فإنّ امتداد زمان إلى أجل، أو حصول بغية وحاجة، أو تحقّق تعهّد: كلّها باعتبار العمل وبلحاظه.

 

والقضاء المطلق: كما في - {وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ} [فصلت : 45]. {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ} [مريم : 39] يراد مطلق انقضاء الحكم والعمل وانتهاء زمانهما.

 

والقضاء من اللّٰه تعالى: كما في - {سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [مريم: 35]. {وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ} [غافر: 20]. {فإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [يونس : 47]. {فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ} [غافر: 78 {وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا} [الأنفال: 42]

 

قلنا إنّ والقضاء إنهاء وإتمام في حكم أو عمل. والأمر طلب شي‌ء مع الاستعلاء ويطلق على ما يكون متعلّقًا للطلب وهو مطلوب. والحقّ ما يكون ثابتًا ومطابقًا للواقع. والقسط هو إيصال شي‌ء إلى مورده.

 

وثانيًا - إنّ الله تعالى إذا أنهى وأتمّ أمره وأكمل طلبه: فيقول له كن فيوجد ويتحقّق في الخارج، وهذا كما قال تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس : 82] فإنّ الإرادة عبارة عن الطلب مع الاختيار، وهو كالقضاء في مرتبة إنهاء الأمر والطلب.

 

وثالثًا - سبق في القدرة إنّه منتزع من صفة الحياة، فإنّ الحياة في قبال الممات ويساوق الوجود، وحياته تعالى عين وجوده، وهو غير متناه وغير محدود، فهو حيّ وقادر مطلق، ولا حدّ لقدرته، فإنّ الحدّ والتناهي يلازم الضعف، وهو منزّه عن الضعف والفقر.

 

ورابعًا - فهو تعالى إذا أراد وطلب واختار شيئًا: يقول ويظهر طلبه بقوله كن، أي شي‌ء كان، وفي أي موضوع: فيوجد ذلك المطلوب في الخارج، من دون أن يتوقّف إلى شي‌ء أو شرط أو زمان.

 

فالقدرة قوّة أو صفة ذاتيّة بها يفعل إذا شاء القدر ويترك إذا شاء، ونحن بلحاظ المحدوديّة والتقيّد في ذواتنا: نحتاج في مقام إعمال القدرة الى وسائل وموادّ وشرائط ومقدّمات، حتّى نستكمل تماميّة العلّيّة والسببيّة الكاملة، ويرتفع الضعف والموانع.

 

وأمّا اللّٰه القادر المنزّه عن أي حد وقيد وضعف وفقر وحاجة: فيفعل ما يشاء بما يشاء كيف يشاء، فإرادته الفعليّة هي العلّة التامّة والسبب الكامل في إيجاد أي مادّة وصورة، وفي تكوين أي شي‌ء - {يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [النور: 45]. {إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} [الحج: 14]. كَذلك اللّٰهُ يَفْعَلُ ما يَشٰاءُ - 3/ 40 وخامسًا - إنّ اللّٰه تعالى قادر حكيم عالم رحيم: فلا يريد إلّا قسطًا ولا يقضى إلّا بالحقّ، ولا يمكن في حقّه ظلم وعدوان، فإنّ الظلم عدوان إلى حقوق آخرين، وهو يلازم الفقر والنقص والضعف والحاجة، وهو تعالى غنّى مطلق وغير محدود في غناه ولا ينتهي قدرته، فالظلم منه تعالى نقص وفقر وجهل وعبث ولغو، تعالى اللّٰه عن ذلك.

 

{وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ (26) يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ} [الحاقة : 26، 27] أي التحوّلات من الموت والبعث وإيتاء الكتاب بالشمال والحساب، فيا ليتها كانت متمّة لحياتي وخاتمة لمنتهى صفحات عيشي.

____________________
‏- مقا = معجم مقاييس اللغة لابن فارس ، 6 ‏مجلدات ، طبع مصر . 1390 ‏هـ.

- مصبا = مصباح المنير للفيومي ، طبع مصر 1313 هـ .

‏- صحا = صحاح اللغة للجوهري ، طبع إيران ، 1270 ‏هـ .

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد