علمٌ وفكر

معلومات الكاتب :

الاسم :
عدنان الحاجي
عن الكاتب :
من المترجمين المتمرسين بالأحساء بدأ الترجمة عام ٢٠١١، مطّلعٌ على ما ينشر بشكل يومي في الدوريات العلمية ومحاضر المؤتمرات العلمية التي تعقد دوريًّا في غير مكان، وهو يعمل دائمًا على ترجمة المفيد منها.

ظاهرة الباريدوليا: لماذا نتوهم رؤية وجوه على الأشياء وما هي تطبيقاتها العمليّة الممكنة؟

ترجمة عدنان أحمد الحاجي

 

هل سبق وأن لاحظتَ وجوهًا تحمل ملامح وجوه بشرية في أشياء مادية في حياتنا اليوميّة، لكن لا وجود لها في الواقع؟ تُعرف هذه الظاهرة بـ "باريدوليا الوجوه Pareidolia" "إيهام الخيالات المرئية (1)". على سبيل المثال، تخيُّل "وجه مبتسم على صفحة القمر أو سحابة تشبه وجه شخص أو جذع شجرة يظهر وكأنه وجه إنسان". توحي "ظاهرة باريدوليا الوجوه" بأن العقل ينزع إلى رؤية الوجوه في أنماط أو أشياء عشوائية، وهي سمة طبيعية وشائعة في آلية عمل الدماغ.

 

وقد تناولت دراسةٌ (2) جديدة أجرتها جامعة سري Surrey كيف تلفت هذه الظاهرة انتباهنا. بحثت هذه الدراسة، المنشورة في مجلة i-Perception، في الاختلاف بين انتباهنا المُوجَّه نحو الاتجاه الذي حوّل شخص آخر نظرَه إليه (بعيدًا عنا) - وبين انتباهنا المُوجَّه بملاحظتنا لشيء مُتخيَّل يُشبه وجهًا بشريًّا. والسبب أننا نميل إلى تتبّع اتجاه حركة عيون الآخرين تلقائيًّا. فإذا نظر أحدهم في اتجاه معين، فإننا ننظر إليه تلقائيًّا أيضًا، ظنًّا منّا أن شيئًا مهمًّا قد يكون موجودًا في ذلك الاتجاه. وهذا يساعد على اكتشاف ذلك الشيء المهم ومعرفة ما يفكر به الآخر أو يشعر به. ولذا تعتبر هذه الظاهرة من آليات الحفاظ على البقاء.  

 

ولذا هدفت الدراسة إلى استكشاف ما إذا كانت هذه الوجوه المتخيّلة قادرة أيضًا على توجيه انتباهنا، حتى لو لم تكن حقيقية.

 

ووجدت نتائج الدراسة أن أدمغتنا لا تتفاعل فقط مع الوجوه الحقيقية (حين نتتبّع اتجاه نظرة شخص كان ينظر إلينا لكنه أشاح بنظره في اتجاه مختلف)، بل تتفاعل أيضًا مع الأنماط الوهمية، التي تشبه الوجوه، ويمكن أن توجهنا إلى أين ننظر وماذا نلاحظ. يمكن استخدام هذه الظاهرة لتصميم صور مرئية أكثر لفتًا للانتباه واستخدامها في حياتنا اليومية. 

 

أجرى الباحثون أربع تجارب على 54 شخصًا لمعرفة مدى تأثر انتباه المرء بالاتجاه الذي يبدو أن الآخر ينظر إليه - أي كيف يؤثر اتجاه نظر الآخر في انتباه المرء.

 

اكتشف الباحثون أن انتباهنا لا ينجذب فقط إلى المكان الذي يوجّه إليه الشخص الآخر نظره، بل أيضًا إلى الشيء الذي يشبه وجهًا بشريًا على شيء ما (مثل رؤية "وجه" في سحابة).

 

لكن الآليات الأساسية التي يتم من خلالها جذب الانتباه تختلف اختلافًا كبيرًا بين الحالتين: حين يشيح شخص (الشخص الأول) بنظره عن شخص آخر (الشخص الثاني) وينظر بعيدًا عنه في اتجاه آخر، فإن الشخص الثاني يركز في الأساس على عيون الأول ويتبع اتجاهها تلقائيًّا. أما في حال رؤية الشخص الثاني أشياء تشبه الوجه، فإنه يركز على شكل الوجه المتخيل بأكمله وليس فقط على منطقة "عينه".

 

ولهذا السبب، تجذب الوجوه المتخيلة الانتباه بشكل أقوى، وذلك لأن الناس ينجذبون إلى هذه "الوجوه المتخيلة" بشكل شمولي أكثر من انجذابهم إلى المكان الذي وجه إليه الشخص الأول نظره اليه، وذلك لانحصار الرؤية بمنطقة عيون الشخص الأول، لا وجهه كاملًا. ولكن حين ينظر الشخص إلى شيء يشبه الوجه (مثل نمط أو جسم على شكل وجه)، لا يركز دماغه على جانب واحد فقط من ذلك الوجه المتخيل، بل يستوعب بسرعة الشكل الكامل له، بما يستلزمه من تخيل موقع عيني هذا الوجه، وإن كانت غير حقيقية، مثل لو كان الوجه المتصور على جدار منزل يشبه نافذتين فيهما عينا الوجه.

 

قد تتجاوز نتائج الدراسة مجرد فهم كيف تعالج أدمغتنا المدخلات المرئية. وقد تكون نتائجنا مفيدة في تطبيقات عملية، وخاصةً في مجال الإعلانات التجارية. فالإعلانات التجارية المصممة بأشكال تشبه الوجوه وملامح تشبه ملامح العين قد تجذب المزيد من الانتباه وتساعد على ترك انطباع مؤثر في المستهلكين يذكرهم بالمنتج بشكل أفضل. 

 

كما يمكن استخدام هذه الظاهرة أيضًا في علم النفس وعلم الأعصاب لفهم كيف يعالج الدماغ الإشارات الاجتماعية (لغة الجسد) والإدراك الحسي للأشياء.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- https://ar.wikipedia.org/wiki/إيهام_الخيالات_المرئية

2- https://journals.sagepub.com/doi/10.1177/20416695251352129

المصدر الرئيس

https://www.surrey.ac.uk/news/new-research-details-how-our-brains-are-drawn-and-spot-faces-everywhere

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد