سياحة ثقافية

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ عبدالهادي الفضلي
عن الكاتب :
الشيخ الدكتور عبدالهادي الفضلي، من مواليد العام 1935م بقرية (صبخة العرب) إحدى القرى القريبة من البصرة بالعراق، جمع بين الدراسة التقليدية الحوزوية والدراسة الأكاديمية، فنال البكالوريوس في اللغة العربية والعلوم الإسلامية ثم درجة الدكتوراه في اللغة العربية في النحو والصرف والعروض بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف، له العديد من المؤلفات والمساهمات على الصعيدين الحوزوي والأكاديمي.rnتوفي في العام 2013 بعد صراع طويل مع المرض.

بحثٌ حولَ موضعِ غدير خمّ (2)


الشيخ عبدالهادي الفضلي

وصفُ مشهدِ النصّ بالولاية
ويُنسَق على ما تقدّم مِن وصف الموضع تاريخيّاً، وصفُ حادثة الولاية بخطواتها المتسلسلة، والمترتّب بعضُها على بعض؛ لتكتمل أمام القارئ الكريم الصّورة للحادثة التي أعطت هذا الموضع الشّريف أهمّيّته كمَعْلَمٍ مهمٍّ من معالم السّيرة النبويّة المقدّسة، وتتلخّص بالتّالي:
 -1 وصول الرّكب النّبويّ بعد منصرَفه من حجّة الوداع إلى موضع غدير خُمّ، ضُحى نهار الثّامن عشر من شهر ذي الحجّة الحرام من السّنة الحادية عشرة للهجرة.
فعن زيد بن أرقم: «لَمّا حجّ رسول الله صلّى الله عليه وآله حجّةَ الوداع، وعاد قاصداً المدينة، قام بغدير خُمّ - وهو ماءٌ بين مكّة والمدينة - وذلك في اليوم الثّامن عشر من ذي الحجّة الحرام».
-2 ولأنّ هذا الموضع كان مفترَق الطُّرق المؤدّية إلى المدينة المنوّرة، والعراق، والشّام، ومصر، تفرّق النّاس عن رسول الله صلّى الله عليه وآله متّجهين وجهةَ أوطانِهم، فأمر صلّى الله عليه وآله عليّاً عليه السّلام أن يجمعَهم بردّ المتقدِّم وانتظار المتأخِّر. ففي حديث جابر بن عبد الله الأنصاري: «إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله نزل بخُمّ، فتنحّى النّاسُ عنه.. فأمر عليّاً فجمعَهم».
-3 ونزل الرّسول قريباً من خمس سَمُرات دوحات متقاربات، ونهى أن يُجلَس تحتهنّ.
في حديث عامر بن ضمرة وحذيفة بن أُسيد، قالا: «لَمّا صدر رسول الله صلّى الله عليه وآله من حجّة الوداع، ولم يحجّ غيرها، أقبل حتّى إذا كان بالجُحفة نهى عن شجرات بالبطحاء، متقاربات، لا ينزلوا تحتهنّ».
-4 ثمَّ أمر صلّى الله عليه وآله أن يُقَمَّ [يُكنَس] ما تحت تلكم السّمرات من شَوك، وأن تُشذّب فروعهنّ المتدلّية، وأنْ تُرشّ الأرض تحتهنّ.
ففي حديث زيد بن أرقم: «أمر رسول الله صلّى الله عليه وآله بالشّجرات فقُمَّ ما تحتها، ورُشَّ».
-5 وبعد أن نزلت الجموع منازلها وأخذت أماكنها، أمر صلّى الله عليه وآله مناديه أن ينادي: «الصّلاةَ جامعةً».
يقول حبّة بن جوين العرني البجليّ: «لَمّا كان يوم غدير خُمّ دعا النّبيّ صلّى الله عليه وآله: (الصّلاة جامعة) نصفَ النّهار..».
-6 وبعد أن تكاملت الصّفوف للصّلاة جماعة، قام صلّى الله عليه وآله إماماً بين شجرتَين من تلكم السّمرات الخمس .
وفي رواية أحمد عن البراء بن عازب: قال: «كنّا مع رسول الله صلّى الله عليه وآله في سفر، فنزلنا بغدير خُمّ، فنُودي فينا: الصّلاة جامعة، وكُسِحَ لرسول الله صلّى الله عليه وآله تحت شجرتَين، فصلّى الظّهر».
 -7 وظُلِّلَ لرسول الله صلّى الله عليه وآله عن الشّمس أثناء صلاته بثوب، عُلّق على إحدى الشّجرتَين .
ففي رواية أحمد حديث زيد بن أرقم: «وظُلِّل لرسول الله صلّى الله عليه وآله بثوب على شجرة سَمُرة من الشّمس».
-8 وكان ذلك اليوم هاجراً شديد الحرّ .
يقول زيد بن أرقم: «فخرجنا إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله، في يوم شديد الحرّ، وإنّ منّا مَن يضع بعض ردائه على رأسه، وبعضَه على قدمه من شدّة الرّمضاء».
-9 وبعد أن انصرف صلّى الله عليه وآله من صلاته، أمر أن يُصنَع له منبرٌ من أقتاب الإبل.
-10 ثمَّ صعد صلّى الله عليه وآله المنبر متوسّداً يدَ عليّ عليه السّلام.
في حديث جابر بن عبد الله الأنصاري: «فأمر عليّاً فجمعَهم، فلمّا اجتمعوا، قام فيهم وهو متوسِّدٌ يد عليّ بن أبي طالب عليه السّلام».
-11 وخطب صلّى الله عليه وآله خطبته ..
-12 «ثمَّ طفقَ القومُ يهنّئون أمير المؤمنين صلوات الله عليه، وممّن هنّأه في مقدّم الصّحابة: الشّيخان أبو بكر وعمر، كلٌّ يقول: بخٍ بخٍ لك يا ابنَ أبي طالب! أصبحتَ وأمسيتَ مولاي ومولى كلّ مؤمنٍ ومؤمنة».
-13 وقال ابن عبّاس: «وَجَبَتْ - واللهِ - في أعناق القوم»؛ يعني بذلك البيعة بالولاية والإمرة والخلافة.
-14 ثمَّ استأذن الرّسولَ شاعرُه حسّانُ بن ثابت في أن يقول شعراً في المناسبة.

الأعمال المندوب إليها شرعاً في هذا الموضع
-1 استحباب الصّلاة في مسجده المعروف - تاريخيّاً - بمسجد رسول الله، ومسجد النّبيّ، ومسجد غدير خُمّ.
-2 الإكثار فيه من الدّعاء والابتهال إلى الله تعالى.
عن أبي عبد الله الإمام الصّادق عليه السّلام: قال: «يُستَحَبُّ الصّلاةُ فِي مسجدِ الغدير؛ لأنَّ النَّبِيَّ صلّى اللهُ عليه وآلِه أقامَ فيه أميرَ المؤمنين عليهِ السّلام، وهو مَوْضِعٌ أظهرَ اللهُ عزَّ وجَلَّ فيه الحَقَّ».
وفي الحديث الصّحيح عن عبد الرّحمن بن الحجّاج: قال: «سألتُ أبا إبراهيم [الإمام الكاظم] عليه السّلام عن الصّلاة في مسجد غدير خُمّ بالنّهار وأنا مسافر، فقال: صَلِّ فيه؛ فإنّ فيه فضلاً، وقد كانَ أبي يأمرُ بذلك».

* وقد ذَكر استحباب الصّلاة في مسجد الغدير [الموضِع] غيرُ واحد من فقهائنا الإماميّة، منهم: الشّيخ الطّوسي في (النّهاية)، والقاضي ابن البرّاج في (المهذّب)، والشّيخ ابن إدريس في (السّرائر)، والشّيخ ابن حمزة في (الوسيلة)، والشّيخ النّجفي في (الجواهر)، والسيّد محسن الحكيم في (منهاج النّاسكين)، قال: «وكذا يُستَحبّ الصّلاة في مسجد غدير خُمّ، والإكثار من الابتهال والدّعاء فيه».
وصفُ الموقع الرّاهن
وصَفَه المقدَّم عاتق بن غيث البلادي - المؤرّخ الحجازي المعاصر - في كتابه (معجم معالم الحجاز)، قال: «ويعرف غدير خُمّ اليوم باسم (الغُرَبَة)؛ وهو غدير عليه نخلٌ قليل لأُناسٍ من البلاديّة، من حرب ".." وكانت عين الجحفة تنبع من قرب الغدير ".." وتركبُ الغديرَ من الغرب والشّمال الغربي آثارُ بلدة كان لها سُور حَجَري لا زال ظاهراً، وأنقاضُ الآثار تدلّ على أنّ بعضها كان قصوراً أو قلاعاً، وربّما كان هذا حيّاً من أحياء مدينة الجُحْفَة، فالآثار هنا تَتشابه».
وقد استطلعتُ - ميدانياً - الموضعَ من خلال رحلتَين:
- كانت أُولاهما: يوم الثلاثاء ٢ / ٣ / ١٩٨٢م .
- والثّانية: يوم الأربعاء ٢٥ / ١ / ١٩٨٩م .

الطُّرق المودّية إلى الموقع
إنّ هناك طريقين تُؤدّيان إلى موقع غدير خُمّ؛ إحداهما من الجُحفة، والأُخرى من رابغ.
-1 طريق الجحفة: تبدأ من مفرق الجُحفة عند مطار رابغ، سالكاً تسعة كيلوات مزفّتة إلى أوّل قرية الجُحفة القديمة ".." ثمَّ تنعطف الطّريق شمالاً، وسط حجارة ورمال كالسّدود، بمقدار خمسة كيلوات إلى قصر علياء، حيث نهاية قرية الميقات. ثمَّ تنعطف الطّريق إلى جهة اليمين، قاطعاً بمقدار كيلوين أكواماً من الحجارة وتلولاً من الرّمال، وحرّة قصيرة المسافة. ثمَّ تهبط من الحرّة يمنة الطّريق حيث وادي الغدير.
-2 طريق رابغ: وتبدأ من مفرق طريق مكّة - المدينة العامّ، الدّاخل إلى مدينة رابغ عند إشارة المرور، يمنة الطّريق للقادم من مكّة، مارّةً ببيوتات من الصّفيح، وأُخرى من الطّين يسكنُها بعض بدو المنطقة؛ ثمَّ يصعد على طريقٍ قديمة مزفَّتة تنعطف به إلى اليسار، وهي الطّريق العامّ القديمة الّتي تبدأ بقاياها من وراء مطار رابغ؛ وبعد مسافة عشر كيلوات، وعلى اليمين، يتفرّع منه الفرع المؤدّي إلى الغدير، ومسافته من رابغ إلى الغدير ٢٦ كيلواً تقريباً .

 وفي ضوء ما تقدّم:
يقع غدير خُمّ من ميقات الجُحفة - مطلع الشّمس - بحوالي ٨ كيلوات، وجنوب شرقي رابغ بما يقرب من ٢٦ كم .

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة