قرآنيات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ محمد هادي معرفة
عن الكاتب :
ولد عام 1348هـ بمدينة كربلاء المقدّسة، بعد إتمامه دراسته للمرحلة الابتدائية دخل الحوزة العلمية بمدينة كربلاء، فدرس فيها المقدّمات والسطوح. وعلم الأدب والمنطق والعلوم الفلكية والرياضية على بعض أساتذة الحوزة العلمية، عام 1380هـ هاجر إلى مدينة النجف الأشرف لإتمام دراسته الحوزوية فحضر عند بعض كبار علمائها كالسيد محسن الحكيم والسيد أبو القاسم الخوئي، ثم سافر إلى مدينة قم المقدسة والتحق بالحوزة العلمية هناك وحضر درس الميرزا هاشم الآملي. من مؤلفاته: التمهيد في علوم القرآن، التفسير والمفسِّرون، صيانة القرآن من التحريف، حقوق المرأة في الإسلام.. توفّي في اليوم التاسع والعشرين من شهر ذي الحجّة الحرام من عام 1427هـ بمدينة قم المقدّسة، ودفن بجوار مرقد السيّدة فاطمة المعصومة عليها السلام

الجن في تعابير القرآن (2)


الشيخ محمد هادي معرفة

التشبيه في رؤوس الشياطين
قال تعالى : ﴿ أَذَلِكَ خَيْرٌ نُّزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ * إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِّلظَّالِمِينَ * إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ * طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ * فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِؤُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ ﴾ 22 .
و هذا أيضاً أخذوه على القرآن، حيث التعبير برؤوس الشياطين جاء على ما توهّمته العرب أنّ للشياطين رؤوساً على غرار ما توهّموه في الغول . جاء في شعر امرئ القيس : { و مسنونة زرق كأنياب أغوال } .
غير أنّ الشيطان في اللغة من أوصاف المبالغة مأخوذ من شاط يشيط إذا اشتدّ غيظاً وغضباً . يقال : تشيّط إذا احترق غيظاً واشتاط اشتياطاً عليه إذا التهب غضباً . وكذا قولهم : استشاط عليه أي احتدّ عليه غضباً . واستشاط الحَمامُ : نشط . واستشاط من الأمر : خفّ له . واستشاط فلان أي استقتل وعرّض نفسه للقتل . وأصله من شاط الشيء إذا احترق .
قال ابن فارس : الشيط من شاط الشيء إذا احترق . ومنه استشاط الرجلُ إذا احتدّ غضباً . قال ومن هذا الباب الشيطان 23 .  ويطلق على كلّ متمرّدٍ عاتٍ من الجنّ والإنس والدّوابّ، فهو فعلان، لتكون الألف والنون زائدتين، كما في عطشان وغضبان ورحمان . أمّا القول . بأنّه من شطن ليكون على وزان فيعال فهو غريب، إذ لم يُعهد مثلُ هذا الوزن في صيَغ المبالغة، وإن قال به الخليل .
وهكذا الراغب رجّح كون النون أصليّة بدليل جمعه على شياطين !24

وعلى أيّ حالٍ فهو وصفٌ يُطلق على كلّ متمرّدٍ عاتٍ بالَغَ في شططه كالمستشيط غَضَباً أو الملتهب غيظاً . قال جرير :
أيّام يدعونني الشيطانَ من غَزَلي *** وهُنَّ يَهْوَيْنَني إذ كنتُ شيطاناً
وقال آخر : لو أنّ شيطان الذئاب العُسَّل . . . قال الراغب : جمع العاسل وهو الذي يضطرب في عدوه ، واختصّ به عَسَلان الذئب . قال : وسمّي كل خُلُق ذميم للإنسان شيطاناً . فقال (عليه السَّلام) : "الحَسَد شيطان والغَضَب شيطان" . فليس الشيطان اسماً لإبليس ولا خاصّاً بجنوده الأبالسة . وإنّما أطلق عليه كإطلاقه على سائر ذوي الشرور. قال تعالى : ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ ... ﴾ 7 .
والشيطان ـ أيضاً ـ اسم لحيّتة لها عُرْف، وهي لحمة مستطيلة فوق رأسها شبه عُرْف الديك قال الزجّاج : تسمّي العرب بعض الحيّات شيطاناً . قيل : هو حيّة لها عُرف بقبيح المنظر 25 .  وأنشد الرجل ( هو الراجز )26 يذمّ امرأةً له كانت سليطة :
عَنْجَرِدٌ تحلف حين أحلف *** كمثل شيطانِ الحَماط أعرَفٌ27
وقال آخر يصف ناقته في المسير :
تُلاعبُ مثنى حَضْرميّ كأنَّه *** تَعَمُّجُ شيطانٍ بذي خِرْوَعٍ قفر 28

والشيطان في هذين البيتين هي الحيّة المهيبة يُتَنَفَّر منها، لها عُرف كتاج الديك قبيح المنظر. فقد شبّه الشاعر في البيت الأوّل امرأته العجوز السليطة بشيطان الحماط القبيح المهيب. وهي الحيّة ذات عُرف يكثر وجودها تحت شجر الحماط في الصحراء القاحلة .
وفي البيت شبّه الشاعر زمام ناقته في تلوّيه بسبب مشية الناقة بتلوّي حيّة قبيحة الهيئة تلتوي في بيداء قفر 29 .
وعليه، فالتشبيه في الآية الكريمة وقع على الواقع المشهود، هي رؤوس الحيّات القبيحة المنظر الهائلة على حدّ تعبير الزمخشري في الكشّاف. ووافقه اللغة والعُرف العامّ حسبما عرفت. وليس مجّرد تخييل أو تقليد لما توهّمته العرب كما زعمه الزاعمون !
وهكذا جاء في (تأويل مشكل القرآن) لابن قتبية قال: والعرب تقول إذا رأت منظراً قبيحاً: كأنّه شيطان الحماط، يريدون حيّة تأوي في الحماط، كما تقول: أيمُ الضالّ، وذئب الغَضى، وأرنبُ خُلّة، وتيسُ حُلَّب، وقنفذُ بُرقَة30 .

قال الشيخ أبو الفتوح الرازي : وهذا كتشبيهه تعالى عصا موسى (عليه السَّلام) التي انقلبت حيّة تسعى بالجانّ، وهو أيضاً اسم للحيّة السريعة التلوّي في حركتها 29.
قال ابن منظور: والجانّ، ضرب من الحيّات أكحل العينين يضرب إلى الصُفرة لا يؤذي. وهو كثير في البيوت. قال سيبويه: والجمع جِنّان، وأنشد بيت الخطفي جدّ جرير يصف إبلاً :
أعناقَ جِنّانٍ وهاماً رُجَّفا *** وعَنَقاً بعد الرسيم خَيْطَفا
وفي الحديث: أنّه نهى عن قتل الجِنّان. قال: هي الحيات تكون في البيوت، واحدها جانّ، وهو الدقيق الخفيف .
قال الأزهري في التهذيب في قوله تعالى : ﴿ ... تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ ... ﴾ 31 :  الجانّ حيّة بيضاء. قال أبو عمرو: الجانّ حيّة، وجمعه جوانّ .
قال الزجّاج: المعنى أنّ العصا صارت تتحرّك كما يتحرّك الجانّ حركة خفيفة. قال: وكانت في صورة ثُعبان، وهو العظيم من الحيّات. ونحو ذلك قال أبو العباس المبّرد. قال: شبّهها في عظمها بالثُعبان وفي خفّتها (خفّة حركتها) بالجانّ. ولذلك قال تعالى مرّةً ﴿ ... فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ ﴾ 32  ومرّةً ﴿ ... كَأَنَّهَا جَانٌّ ... ﴾ 31.33

قال الشيخ أبو الفتوح الرازي ـ في وجه التشبيه بالجانّ مرّة وبالثعبان أخرى ـ: إنّ التشبيه الأوّل وقع في بدء بعثته (عليه السَّلام) عند الشجرة . قال تعالى في سورة النمل : ﴿ يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ ﴾ 34  وفي سورة القصص : ﴿ فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي مِن شَاطِئِ الْوَادِي الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ ﴾ 35 .
أمّا التشبيه بالثعبان فكان عند لقاء فرعون وملئه، وقوله لهم: إنّي قد جئتكم ببيّنة، قالوا: فائتِ بها إن كنت من الصادقين ﴿ فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ ﴾36 .
ولعلّ عندما ألقى عصاه لأوّل مرّة عند الشجرة كان لَفَت نظره وأرهبه أنّ العصا ـ وهي عودة ـ تتحرّك وتهتزّ كما تسعى الحيّة، فولّى مدبراً ولم يعقّب .
أمّا الذي أتى به معجزاً وبيّنة من ربّه فهو قلب العصا ثعباناً وهي حيّة عظيمة هائلة، فاسترهبوه وحاولوا مقابلته بالمثل فجمعوا السحرة وجاؤوا بسحرٍ عظيم. فألقى موسى عصاه ﴿ ... فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ ﴾ 37  ﴿ فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾ 38.
فالتشبيه بالجانّ مرّة وبالثعبان أخرى كان باعتبارين وفي موقفين مختلفين . قال الشيخ الرازي : لا يمتنع أن تنقلب العصا إلى صورتين مختلفتين باختلاف الموردين 39.

وختاماً ، فقد جاء في المعجم الزوولوجي الحديث تأليف الأستاذ محمّد كاظم الملكي النجفي: أنّ الشيطان أيضاً اسمٌ لنوع من السمك الضخم يبلغ وزنه نحو طنّين يوجد في المياه المحيطة في الشمال الغربي لأستراليا، له وجهٌ كريه كأنّه صنم من الأصنام القديمة وعلى رأسه قرنان يزيدان في كراهة منظره 40 41 .
ـــــــــــــ
•  22. القران الكريم : سورة الصافات ( 37 ) ، الآيات : 62 - 66 ، الصفحة : 448 .
•  23. معجم مقاييس اللغة : 3 / 234 ـ 235 و 185 .
•  24. المفردات : 261 ؛ و لسان العرب : 13 / 238 .
•  25. قال الزمخشري : قيل : الشيطان ، حيّة عرفاء لها صورة قبيحة المنظر هائلة جدّاً . الكشاف : 4 / 46 .
•  26. راجع : تفسير أبي الفتوح الرازي : 9 / 313 .
•  27. العنجرد : المرأة السليطة الطويلة اللسان الصخّابه ، و جاء البيت في تأويل مشكل القرآن : 389 : { عُجيَّز } بدل { عنجرد } . و الحَماط ـ جمع حَماطة ـ شجر تنبت في البراري شبيهة التينة ، تكثر حولها الحيّات . و الأعرف : ذو العرف ، هي اللحمة شبه التاج تكون في أعلى رأس بعض الحيّات مثل تاج الديك ، و هي من أشدّ الحيّات تنفّراً .
•  28. المثنى : زمام الناقة . و الحضرمي منسوب إلى حضرموت . و الخِرْوَع : شوك لا يُرعي لغلظته ينبت في الفوات القفر . راجع لسان العرب : 13 / 238 ـ 239؛ و راجع أيضاً : معاني القرآن للفرّاء : 2 / 387 .
•  29. a. b. تفسير أبي الفتوح الرازي : 9 / 313 .
•  30. تأويل مشكل القرآن : 389 . و الأيم ـ بسكون الياء و تشديدها ـ : الحيّة الأبيض اللطيف . و الضالّ : نوع من الشجر ينبت في السهول و الوعور له شوك ، و يقال : هو السد من شجر الشوك ، و ألفه منقلبة عن الياء . و الغَضى : نوع من الشجر يأوي إليه أخبث الذئاب . و الخُلّة : نبات فيه حلاوة . و الحُلَّب : بقلة جعدة غبراء في خضرة تنبسط على الأرض ، يسيل منها اللبن إذا قطع منها شيء . يقال : أسرع الظباء تيس حُلَّب ، لأنّه قد رعى الربيع . و البُرقة : أرض غليظة مختلطة بحجارة و رمل . و يقال : قنفذ برقة كما يقال : ضبّ كُدية ، و هي الأرض الصلبة الغليظة .
•  31. a. b. القران الكريم : سورة النمل ( 27 ) ، الآية : 10 ، الصفحة : 377 .
•  32. القران الكريم : سورة الأعراف ( 7 ) ، الآية : 107 ، الصفحة : 164 .
•  33. راجع : لسان العرب : 13 / 97 .
•  34. القران الكريم : سورة النمل ( 27 ) ، الآية : 9 و 10 ، الصفحة : 377 .
•  35. القران الكريم : سورة القصص ( 28 ) ، الآية : 30 و 31 ، الصفحة : 389 .
•  36. القران الكريم : سورة الأعراف ( 7 ) ، الآية : 107 ، الصفحة : 164 .
•  37. القران الكريم : سورة الأعراف ( 7 ) ، الآية : 117 ، الصفحة : 164 .
•  38. القران الكريم : سورة الأعراف ( 7 ) ، الآية : 118 ، الصفحة : 164 .
•  39. تفسير أبي الفتوح الرازي : 8 / 378 .
•  40. المعجم الزوولوجي : 4 / 71 ـ 73 .
•  41. شبهات وردود حول القرآن الكريم : 187 ـ 195 ، تحقيق : مؤسسة التمهيد ، الطبعة الثانية / سنة : 1424 هـ 2003 م ، منشورات ذوي القربى ، قم المقدسة / الجمهورية الاسلامية الإيرانية .

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد