مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
السيد عباس نور الدين
عن الكاتب :
كاتب وباحث إسلامي.. مؤلف كتاب "معادلة التكامل الكبرى" الحائز على المرتبة الأولى عن قسم الأبحاث العلميّة في المؤتمر والمعرض الدولي الأول الذي أقيم في طهران: الفكر الراقي، وكتاب "الخامنئي القائد" الحائز على المرتبة الأولى عن أفضل كتاب في المؤتمر نفسه.

الصوم الهادف ( 2)

 

السيد عباس نور الدين
أحد الأهداف القريبة للصيام هو الذي عُبّر عنه بالتقوى: {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون} يُستفاد من هذا التعبير الجميل أنّ احتمال حصول التقوى من خلال الصيام هو هدفٌ مهمٌّ جدًّا وأساسي.
كيف يحقّق الصيام حالة التقوى في النفس؟ 
إنّ من يتأمّل في معنى التقوى يمكن أن يفهم هذه القضيّة بسهولة، لأنّ التقوى هي حالةٌ نفسيّةٌ يتمكّن صاحبها معها من ضبط نفسه من أن تجمح. 
 إنّ الجموح الذي هو حالة تفلّت النفس من عقالها، هو الذي يؤدّي إلى أن يتسرّع الإنسان في ارتكاب تلك الأخطاء الكثيرة والذنوب والمعاصي. فتكون السيطرة على النفس وضبطها، فرصة مهمّة للإنسان لمنعها من أن تفعل أو ترتكب تلك الذنوب. 


المطلوب تقوى الله
 قد يمتلك أشخاص غير مؤمنين حالة التقوى، إلّا أن المقصود بالتقوى ها هنا هو تقوى الله أي أن يكون الإنسان منضبطًا تجاه ربه سبحانه وتعالى، وأن يلتفت إلى تلك الأخطاء العديدة التي لا يلتفت لها غير المؤمنين. 
بالإضافة إلى الأخطاء الكثيرة الموجودة في الحياة التي يعرفها الجميع مثل القتل والسرقة وغيرها، فإنّ للمؤمنين منظومة أعمق بشأن أخطاء عديدة مختلفة، وإنّما يعرفون هذه الأخطاء وهذه الذنوب بفضل توجّههم وارتباطهم بالله سبحانه وتعالى. هذا التوجّه يزيد من حالة الانضباط ويعمّق قضيّة التقوى في النفس، ولذلك كان الصيام لله، "الصوم لي". 
لأجل أن يصل الإنسان إلى تقوى الله عليه أن يصوم لله سبحانه وتعالى. هذا التوجه إلى الله هو الذي يوضّح للإنسان تلك الأخطاء التي عبّرنا عنها بأنها أخطاء لا يدركها غير المؤمنين. 
 

أسباب جموح النفس
لو تأمّلنا قليلًا في أسباب جموح هذه النفس وأسباب تفلّتها وعدم انضباطها، لوجدنا أنّ هناك مشكلة أساسيّة، نعبّر عنها بالشهوة. 
إنّ  مجموع الأخطاء والذنوب التي نتصوّرها ها هنا ترجع بالدرجة الأولى إلى مشكلتين رئيسيتين في الإنسان: ١. جموح القوى الغضبية؛ ٢. جموح القوى الشهويّة. في الإنسان هاتان القوتان ولهما دورٌ مهمٌّ جدًّا في حياته، لكن حين تتجهان إلى الإفراط وعدم الاعتدال، فإنّهما يجرّان الإنسان إلى الذنوب والمعاصي. 
إذا تأمّلنا جيّدًا في القوّة الغضبيّة وأسباب جموحها وخروجها عن الاعتدال لوجدنا أنّ ذلك يرجع بالدرجة الأولى إلى القوّة الشهوانية. نعم، أحيانًا يكون هناك حالة موروثة في نفس الإنسان، لكن حين نتأمّل في جموح القوى الغضبيّة نجد أنّها ترجع بالدرجة الأساسيّة إلى اشتعال الشهوة في الإنسان، وكأن الغضب عبارة عن حرارة معيّنة تتولّد من نيران الشهوة. 
الإنسان لديه نوع من الموقد في وجوده، وإنّما يغذيه بالشهوات وهذا الذي يجعل نيران الشهوة تستعر، فيندفع بعدها إلى الغضب، حتى إذا تأمّلنا في كثير من حالات الغضب نجد أنّ الإنسان يغضب لأجل أن يدافع عن شيء من شهواته. 
كيف يؤدّي الصيام إلى ضبط القوّة الشهويّة؟
بالطبع، الشهوة ليست منحصرة فقط في قضيّة الطعام والشراب، هناك شهوات كثيرة أخرى، كأن يشتهي الإنسان أن يكون معروفًا بين الناس أو مشهورًا أو مقبولًا، أو أن يُسمع كلامه. وكذلك النوم، والراحة، والدّعة، و..؛ ولكن كل هذه الشهوات إنّما تتغذى بشكلٍ أساسي من هذه البطن. حين يكون الإنسان شبعًا فإنّه يندفع نحو الشهوات الأخرى؛ وحين يكون جائعًا فإنّ الكثير من الشهوات لا تتولّد فيه، لذلك كانت البطن هي أساس وأصل الشهوات الأخرى. من هنا حين نتوجّه إلى الصيام نعرف أنّ الصوم يهدف بالدرجة الأساسيّة إلى ضبط هذه الشهوة من خلال ضبط البطن.


ليس مطلوبًا من الصائم أن يأكل القليل كما يتصوّر البعض، إذ لا يوجد في أحكام الشريعة ما يشير إلى وجوب التقليل من الطعام والشراب في هذا الشهر مقارنةً مع الأشهر الأخرى، أبدًا. فلو أكل الإنسان زيادةً من الحلال لا يكون مأثومًا ولا خارقًا لقانون الصيام، ما لم يخرج إلى حدّ الإسراف والتبذير الذي هو من المحرّمات الكبرى.. إنّما المطلوب هو التحكّم بهذه الشهوة. 
في شهر رمضان، وأثناء الصيام، يحدث أنّ البطن تطالب بأكلها وشربها، أي بمشتهياتها، فيرفض الصائم أن يطيعها. هذه الحالة التي تجعل البطن خاضعةً لنظامٍ خاصّ، الذي هو نظامٌ إلهيّ يتوجّه فيه الصائم إلى الله تعالى ويقول إنّني سأجوع قربةً إليك، لن آكل لأنّك حرّمت عليّ الشراب والطعام الآن، فيخضع بذلك البطن للقانون الإلهي، هذا الذي يوصل الإنسان إلى حالة تقوى الله سبحانه وتعالى.
المطلوب من الصيام التحكّم بالقوى الشهوانيّة، لا إلغائها. حين تصبح هذه القوى مسيطرًا عليها، تتنزّل على الإنسان تلك الأنوار العقليّة الإلهيّة وغيرها ويكتشف الإنسان نوعًا آخر من السعادات القلبية والروحية. وهكذا يحرّكنا الصيام نحو الأهداف المعنوية ويهيّئنا لطلب تلك الفيوضات الربانية العظيمة التي تتحقق في ليلة القدر.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد