مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
السيد عباس نور الدين
عن الكاتب :
كاتب وباحث إسلامي.. مؤلف كتاب "معادلة التكامل الكبرى" الحائز على المرتبة الأولى عن قسم الأبحاث العلميّة في المؤتمر والمعرض الدولي الأول الذي أقيم في طهران: الفكر الراقي، وكتاب "الخامنئي القائد" الحائز على المرتبة الأولى عن أفضل كتاب في المؤتمر نفسه.

كيف نتمرن على طاعة الإمام؟


السيد عباس نورالدين
التأمّل في روايات عصر الظهور يبين أنّ أحد أسباب إطالة غيبة الإمام المهدي عجل الله فرجه يرجع إلى قلّة الأنصار الحقيقيين الذين يتميّزون بمجموعة من الصفات الكمالية التي تتناسب مع مشروعه العالمي. فما نستنتجه من هذه الأحاديث أنّ تأخير الظهور المبارك يرجع إلى أنّه عليه السلام هو آخر ذخائر المشروع الإلهي، ولأنّه كذلك فلا ينبغي لنهضته أن لا تحقّق كل أهدافها التي تتمثل في إصلاح الأرض وإقامة حكم الله الدائم على كل المعمورة.
ولأنّ الإمام عليه السلام قائمٌ بالعدل، ولأنّ العدل لا يُقام إلا باجتماع الناس عليه (حيث تُعد الإرادة البشرية أساس قيام جميع الفضائل) فلا بدّ أن يصلح الناس. وصلاح الناس لا يكون بالقهر والغلبة، بل بما يرونه من المسؤولين والولاة من حسن السيرة واستقامتها. ولهذا، كان للأنصار والكوادر الدور الأبرز في كل القضية؛ حتى قيل إنّ الظهور متوقّف تمامًا على توفّر العدد اللازم من هؤلاء بما يتناسب مع متطلبات النهضة والحكم. بل إنّ ما شاع في الأحاديث حول العدد ٣١٣ قد يكون إشارة إلى هذه القضية بالذات.
ومن مميزات هؤلاء الأنصار المقربين أنّهم شديدو الطاعة لإمام زمانهم، في الوقت الذي يتحلّون بعمق البصيرة ونفاذها في قلوبهم وعقولهم، وهذا يدل على أنّ طاعتهم لإمامهم ترجع بالدرجة الأولى إلى قوّة إيمانهم وشدّة اعتقادهم بمشروعه وأفكاره وأطروحته؛ هذا، بالرغم من أنّ طبيعة الإمام وعلوّ مقامه ستفرض بالتأكيد قيامه أو دعوته إلى أمور تفوق عقول من سواه.


بيد أنّ روعة العقل بأي مرتبة كان تفرض أن يعترف صاحبه بقصوره عن إدراك ما يفوقه. وشرف العقل هو أنّ من حاز أي درجة منه سيعترف بفضل من كان أعلى درجة؛ بل سيأمر بمتابعته والانقياد له. ولهذا، أينما وجدنا مخالفة لأهل العقل، لا ينبغي أن نتهم العقل بل أهواء النفس التي تستغل الاختلاف والتباين.
إنّ أحد أهم التمارين، التي يمكن أن تساهم بدرجة كبيرة في ترسيخ هذه الميزة في نفوس الممهدين والمشتاقين لصاحب الطلعة الغراء، هو التمرّن على طاعة العقل في عصر الغيبة. ففي الوقت الذي يظن بعض المهتمين أنّهم سينقادون للإمام فور ظهوره نظرًا لقوّة برهانه وعظمة حضوره، يخاف العقلاء من أهل التجارب أن يسقطوا في هذا الامتحان نظرًا لحجم التباين بين عقولهم وعقل الإمام. فكلما اتّسعت الهوة بين العقول صعب على أصحابها الانقياد. وقد جاء في بعض الأحاديث ما يشير إلى هذا حيث ورد أنّه لو علم أبو ذر ما في قلب سلمان لكفّره. 


إذًا، ينقسم المؤمنون بشأن هذه القضية بين مرتاح ومطمئن إلى نفسه بحصول الطاعة والانقياد للإمام فور ظهوره، وبين خائفٍ وجل من السقوط في هذه الفتنة لما قد يأمر به الإمام من أعمال تخالف تمامًا ما اعتاد عليه أو رآه من الدين. ويبدو أنّه لا حل لهذه المعضلة سوى أن نتمرن في عصر الغيبة على نوع من الأعمال التي تتطلب منّا الانخراط الكامل في مشروع تغيير العالم، لأنّ في هذه الأعمال الكثير من المنغصات، وأكثرها يرجع إلى الكدح العجيب. فمن شهد ساحة الموالين في هذا الزمان، علم شدة تعقيد الحلول وضيق المخارج وقلة الأنصار الواقعيين، وأقل منهم المدركين المستوعبين لمشروع الولاية.
رغم وضوح مشروع هذا الوليّ الحاضر، فإنّ قيام مجتمعٍ مناصر لهو من أشباه المستحيلات في هذا الزمن. ولعلّ أهم أسباب هذا التعقيد يرجع إلى عدم ابتناء البعد الاجتماعي في شخصية الموالين على أهمية الفضيلة ودورها في النجاح. هذا بالإضافة إلى الطبيعة الاجتهادية التي تسود ذهنية هؤلاء وتجعلهم ينظرون إلى القضايا كلّها من هذا المنظار. 


ورغم الغنى والثراء الواضح الذي يتمتع به التراث الشيعي على صعيد التعاليم الأخلاقية والمعنوية، فإنّ هذا الثراء لم ينعكس بالمستوى الذي يتناسب مع حجم الأعباء الاجتماعية في شخصية العاملين ضمن هذا المشروع الذي يقوده نائب الإمام المهدي عجل الله فرجه في زماننا؛ ولهذا لم يتحوّل إلى شرط أكيد في تعاطيهم مع هذه القضايا، سواء من ناحية تولية المسؤولين أو محاسبتهم أو بناء الخطط والمناهج على أساسه. وحين نضيف ضعف الشخصية وانبهارها بالتجربة الغربية إلى هذا الضعف والترهل، فسوف نخرج بهوية مشوهة إلى أبعد الحدود، شخصية لم تدرك عمق القضية الأخلاقية والمعنوية ودورها المحوريّ في الإدارة، في الوقت الذي تسعى لتقليد الآخر (الذي هو الغرب)، وهي لا تعي حجم المشكلات التي يتخبط بها هذا الغرب التائه حتى في أموره الإدارية.
حين نمجد قضية الاجتهاد في الواقع العلميّ، قد نغفل عن حجم تسلل إعمال الهوى في الواقع العملي. ولهذا رأينا الكثير من أصحاب القرار والإمكانات يعملون بأهواءهم ويطبقون ما نفوه في دراستهم وأنكروه من أصل سد الذرائع وأصل الاستحسان وأصل العمل بالرأي وغيرها من الأصول التي لا تغني من الحق شيئًا.
وهكذا تضيع أصول العقل ومعه يفقد العاملون فرصة التمرن على الطاعة التي تجعلهم مستعدين لتجربة طاعة في مستوى أعلى؛ فيتأخر الظهور ويبقى هؤلاء في حال من الدعاء متسائلين عن سبب تأخره، وكل الأمر بأيديهم.
 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد