من التاريخ

معلومات الكاتب :

الاسم :
السيد عباس نور الدين
عن الكاتب :
كاتب وباحث إسلامي.. مؤلف كتاب "معادلة التكامل الكبرى" الحائز على المرتبة الأولى عن قسم الأبحاث العلميّة في المؤتمر والمعرض الدولي الأول الذي أقيم في طهران: الفكر الراقي، وكتاب "الخامنئي القائد" الحائز على المرتبة الأولى عن أفضل كتاب في المؤتمر نفسه.

متى يظهر الإمام؟


السيد عباس نورالدين
توصلنا المبادئ العقلية المحكمة التي تثبت ضرورة وجود إمام معصوم كامل ـ له الولاية التكوينية المطلقة والخلافة الإلهية العظمى ـ إلى مبدإٍ أساسيّ، وهو أنّ غياب هذا الإمام عن الأنظار لا بدّ وأن يندرج ضمن فلسفة وجوده وحكمة ولايته وتدبيره.
صحيح أنّ غياب مثل هذا الإنسان الكامل عن الأنظار هو نوع من النقمة الإلهية والعقاب الربّاني، ولهذا لا يمكن أن يتساوى ظهوره مع غيابه أبدًا؛ لكن جميع النقمات الإلهية يمكن أن تصبح ذات فائدة فيما لو تلقفها المؤمنون كنوعٍ من التربية الربانية. ولا شك بأنّ الدور الأكبر للإمام يكمن في إصلاح العالم وتبديل الأرض من خلال إقامة حكومة الله عليها وتطبيق الدين في كلّ مجالات الحياة.
 وهكذا سيكون غياب هذا الإمام وسيلةً للتقدم نحو هذا الهدف وإن كان عبر سلوك طريق أطول وأشد وعورة. فكثيرًا ما يهتدي الناس أو يستيقظون من خلال المصائب والمصاعب الجمة.
وهنا يبرز السؤال: كيف يمكن أن نفهم هذا التدبير (ترك الناس بدون إمام ظاهر) في عصرنا هذا الذي نرشّحه ليكون عصر الظهور المبارك إن شاء الله تعالى.
إنّ إحدى أهم القضايا والإنجازات التي تجعلنا أقرب إلى الظهور من أيّ وقتٍ آخر هي تلك التي ترتبط بأولى الإنجازات التي سيحققها هذا الإمام بعد ظهوره المرتقب، والتي تتجلّى بالقضاء على الباطل والفساد والإضلال في هذا العالم.
 ولكي نجعل إنجازاتنا الحالية مقدمة لهذا الإنجاز الكبير، نحتاج إلى فهم طبيعة الباطل المنتشر في هذا العالم؛ لأنّ القضية ليست فقط في النوايا أو ضمن إطار المفاهيم الكلية والتصورات المجردة، بل هي قضية ترتبط بواقع هذا الباطل وطبيعته وحجم رسوخه في المجتمعات البشرية.

أجل، إنّ الباطل بطبيعته زهوق ودامغ، ولا يمكنه أن يستقر أو يستمر؛ لكن زهوقه وزواله يعتمد قبل أي شيء على قذفه بالحق. ولا شك بأنّ الحق المطلوب هنا هو الأمر الذي يقابل هذا الباطل، لا مطلق الحق كيفما كان. ولأجل ذلك، يجب أن نتعرّف إلى جميع أشكال الباطل ومظاهره ومصاديقه في هذه الحياة حتى تتكون عندنا المنظومة الدقيقة له، لأنّ الحركة الممهدة المهتدية هنا هي تلك التي تجعل نصب عينيها قضية إسقاط هذه المنظومة.
 وباعتقادي، إنّ المشكلة الأساسية للمنتظرين المحبين للإمام والداعين لظهوره وتعجيل فرَجه تكمن في العجز عن بلورة النظرة الدقيقة للواقع العالمي، في الوقت الذي يُتوقّع منهم أن يكونوا عالميي التفكير والسعي والأهداف.
إنّ قضية الحجم والمقدار، وإن كانت في الباطل أمرًا سطحيًّا (فكثرة الأصفار لا تزيدنا شيئًا) لكن لهذا الانتشار العالميّ للباطل وبهذا الحجم الهائل دلالات لا ينبغي أن تغيب عن بالنا. ولأجل ذلك، يجب على الممهدين أن يكونوا عالميين في توجّهاتهم ومساعيهم الهادفة للقضاء على الباطل. فإذا فكروا بالقضاء على الظواهر الإباحية في مجتمعاتهم مثلًا، لم يتعاملوا مع هذه القضية كأنّها قضية محلية؛ وإذا أرادوا أن ينشئوا خطابًا وجب عليهم أن يجعلوه عالميًّا (حيث يمكن فهمه واستيعابه من قبل جميع شعوب العالم).
والآن، فلنتفكر في أعظم قضية تبرز كمعلم رئيسي في حركة الإمام حين ظهوره والتي عبّر عنها في الأدعية الشريفة وحتى في كتاب الله العزيز بهذه الطريقة وهي أنّ الإمام وأتباعه يعبدون الله وحده ولا يشركون به شيئًا. وهي قضية التوحيد ونفي الشرك التي ستكون على رأس برامج الإمام عليه السلام. فما هي طبيعة الشرك الموجود في العالم؟ وكيف يمكن لشعوب الأرض أن تفهم التوحيد وتراه الحل الوحيد لأزماتها؟ وما هي الخطوات اللازمة للقضاء على الشرك الذي يبدو أنّه طال العديد من مناحي حياة المتدينين أنفسهم؟

إنّ معالجة قضية التوحيد والشرك من منطلق مواجهة الباطل والفساد والظلم والجريمة في كل العالم ستختلف كثيرًا عن المعالجات الكلامية التي كانت تصب في إطار المواجهات المذهبية أو حتى الصراعات داخل المدارس الفكرية. فالشرك أمرٌ معاش وليس مجرّد عقيدة باطلة؛ وكلّ أمر معاش له منطلقاته المرتبطة بحياة البشر ومصيرهم ومعاشهم وإدارة أمورهم. وما لم يجرِ طرح الشرك كسببٍ أساسيّ لكل أنواع المصائب والمشكلات الاجتماعية والبيئية والاقتصادية والنفسية وغيرها، فنحن ما زلنا بعيدين عن الخيط الأول للتمهيد الواقعيّ أو الرابط الأكبر الذي يوصلنا بذاك العصر المجيد.
إنّ الممهدين والموالين والمحبين بأمسّ الحاجة لفهم قضايا الحياة الكبرى التي جعلها الله تعالى متاحة لنا في زمن التواصل والارتباط بين شعوب العالم. فتأجيل هذا الظهور إلى يومنا هذا لم يكن معزولًا عن هذه القضية التي كان المؤمنون بحاجة إلى فهمها واستيعابها، وهي قضية العالمية.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد