مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ علي رضا بناهيان
عن الكاتب :
ولد في عام 1965م. في مدينة طهران وكان والده من العلماء والمبلغين الناجحين في طهران. بدأ بدراسة الدروس الحوزوية منذ السنة الدراسية الأولى من مرحلة المتوسطة (1977م.) ثم استمرّ بالدراسة في الحوزة العلمية في قم المقدسة في عام 1983م. وبعد إكمال دروس السطح، حضر لمدّة إثنتي عشرة سنة في دروس بحث الخارج لآيات الله العظام وحيد الخراساني وجوادي آملي والسيد محمد كاظم الحائري وكذلك سماحة السيد القائد الإمام الخامنئي. يمارس التبليغ والتدريس في الحوزة والجامعة وكذلك التحقيق والتأليف في العلوم الإسلامية.

السيطرة على الذهن رياضة لتقوية الروح

 

الشيخ علي رضا بناهيان
أهم رياضة لتقوية "عضلات" الروح هي السيطرة على الذهن. 
أجرى علماء النفس تجربة لافتة، أو بالأحرى اختباراً فقاموا بدراسة سلوك أولئك الذين يرغبون في عدم فعل شيءٍ ما لمعرفة مَن الذين ينجحون في عدم القيام بفعلٍ ما مع أنهم يحبّونه؟ فوضعوا بضع قطع حلوى أمام بضعة تلاميذ ونصبوا كاميرا وتركوا الغرفة. قالوا لهم: لا تأكلوا الحلوى لمدة ساعة وسنعطيكم جائزة. وكانت الجائزة مُغرية، والطفل يحب الحصول عليها. لكنّ الحلوى أيضاً تُسيل لعابَه وتُغريه بأكلها! 

هدف الدراسة هو: من سينجح في عدم تناول الحلوى؟ ومَن سيفشل ويأكلها؟ فلاحَظوا أن الذي ينظر باستمرار إلى الحلوى محدّثاً نفسه: "لا، لا ينبغي أن آكلها.. لا"، يأكلها في النهاية. ومَن الذي لا يأكلها؟ هو الذي لا ينظر إليها.. يُدير وجهه وينظر إلى جهة أخرى، أي إنه يسيطر على رغباته عن طريق السيطرة على الذهن. اختبَروا مئات العيّنات بنفس الطريقة فلاحظوا أن الذين لا يفكرون في الموضوع يستطيعون السيطرة على أنفسهم.
أينما اتّجَه ذهنُك اتّبَعَه قلبُك ثم لا تستطيع السيطرة على قلبك، أما الذهن فتقدر على السيطرة عليه. فإن سيطرتَ على ذهنك فستضبط سلوكك أيضاً. هناك في ثقافة مجتمعنا ونمط حياته عوامل تمنع السيطرة على الذهن. فقد ازدادت أوقات الفراغ في الحياة المَدنِيّة، وازدادت وسائل "اللهو".. لاحظوا.. "اللــهــو"، المعنى واضح من التسمية، وسائل "اللـــهــو"، أي إنها تُلهي الذهن وتخدعه. ازدادت وسائل اللهو. قديماً لم تكن وسائل اللهو بهذا الانتشار. ففي كل جوّال اليوم ألف لعبة.. وكَمّ هائل من الأخبار المُلهية. تُعرَض عليك أنواع التطبيقات وأشكال البرامج قائلة: "أُريكَ شيئاً مثيراً"
ـ تعساً لك! أتريد إشغال ذهني؟! أتودّ أن تحطّم فيَّ إرادةَ "لأيِّ شيء أولي اهتمامي؟" 
ـ لا، إنه شيء مثير.
ـ أعرف، هذا التعيس مثير..
ـ إنه ليس حراماً.
ـ وإنْ، لكنه يُفسد ذهني!

وإذا بمغناطيس يجذبك لهذه الجهة وآخر لتلك
ـ لا أريد مشاهدة شيء مثير أصلاً.. جعَلوا عناني بِيَد جوّال فتارة يجذبني إلى هنا وتارة إلى هناك. فلو تعاملتَ مع حيوان هكذا لتحطّمَت أعصابه بعد برهة وقال: ماذا دهاك؟ إنني أسير في طريقي، لِمَ تجذبني لهذه الجهة؟ انزَع عِنانَك وأرِح بالَك..
ـ وما المشكلة في أن يُدير شخصٌ آخر ذهنَ المرء؟
ـ أجل، إذا كان هذا "الآخر" هو "شخص رب العالمين ذاته" فهو جيّد. سَلِّم عنانَك إذن بيد الله تعالى.. اقرأ القرآن.. وانظر ماذا يصنع بك.. يُلفت نظرك إلى الموضوع الفلاني.. ثم يأخذك إلى يوم القيامة.. ثم إلى موضوع كذا، ثم إلى الموضوع هذا، فإلى الموضوع ذاك.. يُمسكك من ذقنك ويوجّه وجهَك حيث يريد: انظر لهذا الاتجاه.. انظر لذاك.. أيُّ روعة! وبعد مُدّة يصبح الإنسان آدميّاً بمعنى الكلمة.. انظر لهذا بهذا الشكل.. يُلفت انتباهك.. وتعلَم أن مواضيع القرآن غير مبوّبَة بهذه البساطة، ففيه تنوّع رائع.. موسيقى.. يرتفع إلى أعالي الجنان.. وينزل إلى قعر جهنم.. ويأخذك عند الصالحين.. ثم يعرّج بك على الطالحين.. فلنتلهّى بالقرآن.. فليُلفت القرآن انتباهنا إلى هذا، وهذا، وذاك..

كم هي رائعة تقنيات السيطرة على الذهن في ديننا!.. في سلوكنا الديني. فالصلاة روتينيّة.. روتينيّة، روتينية، روتينية، روتينية... لماذا؟ 
ـ إلهي، لولا بعض التنوّع؛ مثلاً: اليوم سورة الحمد.. قل: أيام السبت اقرأوا "الحمد"، وأيام الأحد أقرأوا "الناس".. اجعل تنوّعاً في تكرار السجود.. وتكرار الركوع. قل مثلاً: الآن ركوعان وسجودان.. الآن ركعتان، ومن ثم ثلاث ركعات.. أيام الثلاثاء ثلاث ركعات.. وأيام الأربعاء أربع.. أَضفِ بعض التنوّع؟! فبعض الذوق جميل على أية حال! إننا ما إن نشرع بالصلاة حتى ننتبه إلى أنها انتهَت! لشدة حفظنا لها.
فيجيب: "يا تعيس، إنما جعلتُها هكذا للسيطرة على الذهن. أردتُ أن لا تشغل العواملُ الأخرى بالَك. انتبه إلى الأشياء بقدرة ذهنك أنت".
السيطرة على الذهن مصدره السلوك الباطني وثمرته قوة الروح، فإن سيطر الفتى على ذهنه واكتسب قوة في الروح فسيصبح، في حقل العلم، عالماً وسيكون، في مجال العمل، مُبدعاً وسيجني أنواع اللذّات.
 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد