لقاءات

علي اللواتي: الأبيض والأسود للفوتوغرافيا كالماء والهواء للإنسان

 

نسرين نجم ..

جمالية التصوير تكمن في أنها فن يبحث في زوايا الكون عن ما يثير الدهشة ويصنع الإبهار، فن يعشق الحرية، يغذي المخزون الجمالي في الذهن والمخيلة.. فيبدع المصور المحترف بتطوير عدسته تبعًا لأفكاره ولأهدافه وللرسالة التي يحملها سيما إذا كان يمتلك سعة الأفق والاطلاع على الثقافات...  وهذا ما وجدناه عند المصور الفوتوغرافي المحترف من سلطنة عمان الأستاذ علي اللواتي الذي أجرينا معه هذا الحوار:


* التصوير من هواية إلى شغف:
الوقت إن مضى بذكرياته وبأحداثه وبمواقفه لا يمكن أن يعود، لذا يلجأ البعض إلى توثيق هذه اللحظات الزمنية لتظل في الوجدان وهذا ما حصل مع المصور المحترف علي اللواتي الذي تملكه الشغف ودفعه إلى دخول عالم التصوير: "محاولات التصوير بدأت قبل نحو 10 أعوام حينما لاحظت أن الكاميرا المتوفرة لدي تنتج صورًا مهزوزة غير واضحة في بعض الأحيان وكان هدفي حينها توثيق اللحظات المهمة، وما زال هذا التوجه في التوثيق مستمرًّا إلى أن تحول هذا الشغف مع مرور الأعوام إلى رغبة جامحة عميقة لإخراج أعمال تعكس يومياتي ولحظاتي بالدرجة الأولى، قبل أن أكتشف بأنني متجه نحو هواية ذات أبعاد أكبر".


كثرت الأحاديث والتحليلات التي تصف التصوير في عالمنا العربي والإسلامي بأنه في حالة إبداع تارة وحالة ركودأخرى،  أما بالنسبة للأستاذ علي اللواتي فيرى بأن: "واقع التصوير الضوئي في عالمنا العربي والإسلامي له عدة أوجه، الوجه الأول وهو رغبة المصورين في السفر بغية الاحتكاك بثقافات عالمية مختلفة للخروج بأعمال نقية جديدة وغير مكررة تغرم المشاهد على تأمل تفاصيلها الساحرة، فمثلًا رأينا أعمالًا غاية في الجمال والرقي من زملاء زاروا مناطق آسيوية جميلة مثل كارجيل وترتك ولداخ وكشمير وكاتماندو والصين وكذلك في بعض المناطق من القارة السمراء ، أما الوجه الآخر فركز على المشاركة المستمرة الدائمة في المسابقات المحلية والعالمية تحت مظلة الجمعيات العالمية لأنه يرى أن مثل تلك المسابقات تحفزه نحو الاستمرار في مسيرته الفنية، وبين التوجهين ينتقل المصورون كلٌّ حسب احتياجه ورؤيته".  وحول من يقود من في التقاط الصور أهو المكان أم العدسة أم الفكرة والصدفة؟ يجيب بأن : "المشهد ومدى دغدغته لمشاعر حامل الكاميرا هو من يقود إلى التقاط الصورة الفنية".


يعتبر البعض بأنه كلما ابتعد المصور عن التقاط وجع الناس أصبح التصوير ترفًا فكريًّا فهل يوافق علي اللواتي على ذلك؟: "الوجع ( الألم ) هي درجة عالية من درجات المشاعر ولا شك فإن نقلها - سواء عبر الفنون البصرية أو الأدبية كالرسم أو التصوير أو الشعر أو القصة – ينتج عنه عمل يوازي المشاعر المنقولة آخذين بالاعتبار المهارة الفنية ، وعلى سبيل المثال لا الحصر فإننا نجد أن الرثاء يتصدر الشعر العربي من حيث حرارة التعبير ودقة التصوير وصدق التجربة. مصور الحروب والهجرات البشرية البرازيلي (سبيستيو سلغادو) أثناء قيامه بواجبه الإنساني في نقل مشاهد الإبادة الجماعية برواندا سنة 1995 يقول في إحدى تصريحاته "لقد توقفت عن التصوير لأنني شعرت بأنني مريض، بأنني ميت".
لا شك أن  الحالات التي يتوجع فيها الإنسان كالموت والظلم والفقر تحرك مشاعر الإنسان عند ملامستها ومعايشتها مما ينتج عنها أعمال فنية عميقة صادقة تحمل مضامين نافذة إلى المتلقي، إلا أن المشاعر المقابلة كالفرح والسعادة مشاعر صادقة كذلك تعكس رضا المخلوق وشكره، فتصوير الجمال الرباني للأرض أو الكون وما فيه أو الإنسان الذي خلقه الباري وأحسن تقويمه الخ لا اعتبره ترفًا فكريًّا بمعنى الترف بل كما يقول الباري عزوج "وأما بنعمة ربك فحدث" ونعم الله سبحانه وتعالى لا تعد ولا تحصى."


* فن الكتابة بالضوء:
هناك الكثير من المصورين يعتمدون على اللونين الأبيض والأسود في كافة صورهم لإنهما بنظرهم  يضيفان جمالية خاصة إلى الصور، حول هذه النقطة يقول المصور علي اللواتي بأن: "الضوء والظل المتجردان من الألوان يمثلان بالنسبة لي أعمق درجة من درجات الفوتوغرافيا (فن الكتابة بالضوء) حيث أن الألوان غالبًا ما تسرق الانتباه وتوجه الناظر حسب درجة حرارتها في سلم الدرجات أو بتعبير أدق تأخذ حيزًا من اهتمام وتركيز المشاهد فتقل نتيجة لذلك قوة المشاعر المنبثقة من العمل الفني ولذلك فإن الأعمال الأحادية غالبًا ما تكون أقوى في التعبير وأعمق في المضمون وأسهل في القراءة مما يجعلها الأقرب الى نفسي، ببساطة الأبيض والأسود للفوتوغرافيا كالماء والهواء للإنسان."
أما عن الرسالة التي تحملها عدسة الأستاذ علي اللواتي فيقول: "رسالتي تكمن في رسم قيم الإسلام والمتجلية بتعاليم الرسول (ص) وأهل بيته عليهم الصلاة والسلام بطريقتي الفني ، فما بعث نبينا الأكرم (ص) إلا لنشر مكارم الأخلاق والسعي بنا نحو الكمال البشري والحث على ترك ونبذ الأخلاق الذميمة".

من يتابع الأعمال الفنية للأستاذ اللواتي يلاحظ مدى اهتمامه بتصوير الناس في حياتهم اليومية وفي أعمالهم، وهذا ما يتحدث عنه بالقول: "لا بدّ لنا أن نفهم أن أهم ما يميز لغة الفن هي أنها مفهومة لدى جميع سكان المعمورة بجميع ثقافاتهم وأعراقهم ودياناتهم وإن صح التعبير هي السهل الممتن ، وهذا الفهم السلس المتبادل يدفع بالمصورين إلى توثيق لحظاتهم مع الآخرين فاليوم لحظة وغدًا ذكرى جميلة ترويها العدسة.
تصوير حياة الناس اليومية يعني أن أكون قريبًا منهم، أتنفس هواءهم، أستمع لهمومهم، أستقي من تجاربهم، هو أكثر من مجرد كونه تصويرًا بالنسبة لي، كبسة زر الالتقاط تعني تخليد هذه التفاصيل الحانية التي تملأ جنبات تلك الأعمال مما يجعلها قيمة إنسانية ثقافية قبل أن تكون فنية."


نرى بأن الكثير ممن يحملون كاميرات وأحيانًا بعدسات هواتفه  يلتقطون عددًا من الصور ويقومون بنشرها على مواقع التواصل الاجتماعي تحت عنوان "مصور"، لذا سألنا الأستاذ اللواتي متى يمكن أن نطلق على المرء لقب مصور؟ ومتى يمكن أن نصفه بالمحترف؟ أجاب قائلًا: "المصور ينبغي أن يكون نتاجه مستمرًّا واضحًا للعيان بل وبصمته الفنية ورسالته مفهومه واضحة المعالم كي يصح أن يُطلق عليه مسمى مصور، والأعمال الفنية هي من تقرر المحترف من الهاوي، الموهوب والمصقول مهارته من الذي يحاول ويجرب.
المصور غير المحترف عادة ما ينقل مشاعره وما يشاهده عبر توظيف الزوايا والتكوين داخل إطار العم ، أما المحترف فهو يتذوق الضو ، يتبع مساره ويرى المشهد في مخيلته قبل التقاط ، يتميز بالخبرة الفنية التراكمية إضافة إلى مهارته المكتسبة."

ولأنه احترف مجال التصوير وتشهد الجوائز العربية والدولية التي نالها على ذلك سألناه عن طموحه في عالم التصوير فأجاب: "سؤال صع ، الحقيقة أطمح – والتسديد من الله- لأن أخدم بعدستي المظلومين والمضطهدين، أنقل للعالم ظلم الإنسان لبني جلدته، ظلمه لمخلوقات الله وما وهب الواهب، أطمح لأن أتطوع في إحدى جمعيات الإغاثة وأبعث رسالتي إلى من ينعمون بنعمة البصر كي يشاهدوا كيف عاثت يد الإنسان في الأرض، أطمح بأن تخدم عدستي أطفال الحروب والمكفوفين والأيتام، طموحٌ أسال الله التوفيق فيه".


أما بالنسبة لمشاريعه الحالية والمستقبلية فقال: "حاليًّا تراودني فكرة الابتعاد عن التقنية قليلًا وتجربة التصوير بالكاميرات الفيلمية يليها تظهير الأفلام بمختبري المتواضع (الغرفة السوداء) ومن ثم تحويل الصور السالبة (النيغاتيف) إلى صور مطبوعة باستخدام أجهزة العرض الضوئية على أوراق الفضة، والحقيقة هي تجربة شيقة مليئة بالفائدة العلمية والفنية أسعى عبرها  للاقتراب من الضوء أكثر لفهمه وفهم تأثيره التماثلي على الأفلام، كذلك أسعى لطباعة كتيب مصور يجمع بعض أعمالي الفنية المتواضعة فكما يقال الشعر يُلقى والقصة تُقص والصورة تُطبع وتُعلق.".

 وبكلمة أخيرة لمن يرغب بدخول عالم التصوير من الجيل الناشئ  قال المصور علي اللواتي: "نصيحتي لكل من يرغب بدخول مجال التصوير، جرب تصوير كل ما تشاهده أو يسرق انتباهك إلي ، فالتجربة هي الطريق الأمثل والأكفأ لصقل المهارة، ثم ركز على التغذية البصرية وشاهد بكثرة أعمال الفنانين بمدراسهم الفنية المختلفة الشرقية منها والغربية، تابع رضا ديغاتي، ديفيد داتشمان، كارش، فيفيان ماير، ستيف ميكوري، هنري كارتر، سبيستيو سلغادو، ارفنج بان وآخرين ممن يستهويك فنهم، تأمل ما قاموا به، تذوق أعمالهم وتصفحها كلما سنحت لك الفرصة فهي طريقك نحو بناء سليقة بصرية متينه تمكنك من الإبداع والتميز".