لقاءات

عبد الله العجمي: نحن بحاجة إلى غرس قدسية الحوار وأهمية استقراء الأحداث بالمنطق


نسرين نجم ..

كاتب عُماني لديه العديد من المقالات الفكرية والثقافية والاجتماعية في العديد من الجرائد والصحف العربية، أصدر منذ مدة كتابًا حمل عنوان "إشراقات فكرية معاصرة"، وهو رئيس لجنة الثقافة والتعليم في الاتحاد العربي الإفريقي للإعلام الرقمي وعضو فاعل في الاتحاد الخليجي للتنمية المستدامة، له الكثير من المساهمات الفعالة في المجالات التقنية والتنموية والثقافية، إنه الأستاذ عبد الله العجمي الذي أجرينا معه هذا الحوار:

* الإعلام حاليًا أداة تأجيج للنعرات:
بدأنا حوارنا مع الأستاذ عبد الله العجمي بسؤاله عن مشاركته الأخيرة بمؤتمر الإعلام الدولي الذي عقد في بغداد فتحدث عن أجواء المؤتمر وعن أهميته بالقول: "مؤتمر الإعلام الدولي الذي أقيم في بغداد شاركت فيه العديد من الوفود العربية والأجنبية إلى جانب مشاركة فاعلة من جامعة الدول العربية مثّلها مساعد الأمين العام وقادة الإعلام في الدول العربية وكان يحمل شعار: (بغداد تحتضن صحفيي العالم بانتصارات العراق ووحدته) برعاية رئيس الوزراء العراقي، وقد كان بالتزامن مع اجتماعات المكتب الدائم والأمانة العامة لاتحاد الصحفيين العرب، تضمن المؤتمر عشر جلسات نقاش تناولت عمليات المعلومات، وأجمع الجميع على توظيف دور الاعلام في مواجهة إعلام داعش".

وبالحديث عن الإعلام، يُعتبر الأستاذ العجمي أحد المؤسسين للاتحاد العربي الإفريقي للإعلام الرقمي، وعن هذا الاتحاد وأهدافه يقول: "الاتحاد العربي الإفريقي للإعلام الرقمي عبارة عن منظمة عربية – أفريقية مستقلة ذات نفع عام تهتم بالمحتوى والنشر الالكتروني مقرها السودان، وهي منظمة حاولت أن تتجاوز الحدود الجغرافية للدول المشاركة وتلتقط زمام المبادرة لتواكب تطورات الإعلام ووسائل النشر الحديثة وتساهم بتنظيم محتوى الإعلام الرقمي من منطلق أن محتوى الفضاء الأسفيري يدلّ ويعبر عن هوية أي أمة ومدى تطورها على كافة المستويات، الثقافية والبشرية.. خاصة مع ما يحيط بنا من تحديات تحتّم علينا أن نكون بمستوى المسؤولية.. خاصة أن الثورة المعلوماتية والرقمية أعادت صياغة العالم بطريقة تحرّرية ينبغي التنبّه والتعامل معها بحذر. وبما أن تقنين ورسم مسارات تمهد لخارطة طريق لكيفية التعامل مع ما يعرض على مواقع التواصل الاجتماعي وأدوات النشر الإلكتروني يعتبر تحديًا كبيرًا إذا ما تم التصدي له بصفة فردية سواء على مستوى الأفراد أو المؤسسات المحلية أو الدول ومن هذا المنطلق جاءت فكرة إنشاء هذا الاتحاد ليعنى بهذا الأمر".

الحديث عن الإعلام يدفعنا للسؤال عن حاله وعن أي مشهد رسا عليه في الوقت الحالي، يرى بأنه: "على مستوى الرسالة السامية للإعلام فبنظري أن المشهد الإعلامي العربي تحول خلال العشرين السنة الماضية -في مجمله- من أداة تساعد على بناء الأوطان، وتطويرها وإثراء فكرها إلى أداة هدم وتأجيج وتهييج للنعرات، أتى كل ذلك في جو مضطرب سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا،حيث استولى الكثير من الانتهازيين على جزء كبير من مساحة الحرية الإعلامية التي توسّع نطاق رقعتها خلال السنوات الماضية، فنفثوا الكثير من السموم، وكرّسوا أحادية الرأي وأقصوا الآخر.. وقد ناشدت كثيرًا بضرورة التصدي لهذا الخطاب الإعلامي قبل أن يصل الأمر إلى وضع لا يمكن السيطرة عليه لاحقًا...

أما على مستوى الأدوات فجميعنا يعلم أن العالم بأكمله اليوم في حالة مخاض، إذ أن الواقع الافتراضي هو من فرض نفسه على الساحة ليتحكم بالعالم الواقعي شئنا ذلك أم أبينا، وقد ألقت هذه المعادلة بظلالها حتى على المشهد الإعلامي، ولعلّ التحديات التي تواجه إعلامنا في المرحلة القادمة يتطلّب من قادته مواكبة هذا التطور، إذ أن دور الإعلام يتجلى بسرعة وسهولة حضوره ووصول المعلومة لقارئه، ليس على صفحات الجرائد أو شاشات التلفاز، ولا على الحاسب الآلي بل على أجهزة الهاتف النقال. وقد لاحظنا أن هذا الطفرة قد أنزلت الصحف عن عروشها التي اعتلتها لأعوام، فالبعض منها أغلقت أبوابها مضطرة والبعض الآخر نقل نفسه مُجبرًا إلى العالم الافتراضي وحاول أن يفرض نفسه على مواقع التواصل الاجتماعي ليصل بسرعة وسهولة ويسر لجمهوره".

هذه التحديات الفكرية والثقافية عالجها الأستاذ عبد الله العجمي بكتابه "إشراقات فكرية معاصرة" واضعًا الحلول لمشاكل عديدة مع تحليلات من واقع الحياة، هذا الكتاب دفعنا لسؤاله هل تعمل مجتمعاتنا العربية والإسلامية وفي وقتنا الحالي على إنتاج مثل هكذا اشراقات؟ فأجاب: "نعم، الساحة الثقافية العربية زاخرة بالكثير من المفكرين والمبدعين.. لكنهم بحاجة إلى تسليط الضوء عليهم وإبراز دورهم من جانب، وبحاجة أيضًا إلى وقفة منهم، ولكن لكيلا نلقي باللوم كله عليهم ولكيلا ندع مجالًا لتنصل البعض من مسؤولياته، يجب أن نشير إلى أن مثل هذا الأمر يجب أن ينطلق من البيت فالمدرسة ثم المجتمع بصورة أشمل.. نحن بحاجة إلى غرس قدسية الحوار وأهمية استقراء الأحداث بالمنطق، بحيث نصل إلى مرحلة عندما ننتقد فيها فإننا ننتقد للتطوير لا لمجرد الانتقاد.. ولكيلا نلقي كل اللوم على مثقفينا أو نتنصّل من مسؤولياتنا فحريٌّ بنا أن نعترف أنّ هذه المهمة تبدأ أساسًا من البيت فالمدرسة فالمجتمع. علينا مثلًا أن نحاول تشجيع الحوار والاستقراء المنطقي للأحداث والانتقاد المؤطّر في إطار الخلق والأدب واحترام الآخر؛ غارسين في أذهانهم البعد عن التجريح وتوزيع الاتهامات اعتباطًا، وألا يفكّروا ولو مجرد تفكير أن يحاسبوا النّاس على أساس نواياهم ومعتقداتهم. كل ذلك يساعدنا بشكل مباشر في تطعيم أبنائنا تطعيمًا يحمل مناعة فكرية ضد أفكار التعصّب الفكري والتطرّف السلوكي".

من خلال هذا الكتاب: "إشراقات فكرية معاصرة" سعى الكاتب إلى نشر الثقافة والوعي لمواجهة جيوش التطرف والإرهاب، وهنا السؤال الذي يطرح نفسه، كيف يمكن العمل فعليًّا على تعزيز الثقافة والوعي سيما عند الشباب والجيل الناشئ؟ يرى الأستاذ العجمي بأن: "إنّ ما أتناوله وما زلت أتناوله في كتاباتي هو نتاج مدرسة ومنهج ربما يندر وجوده في عالمنا العربي والإسلامي، وهو المنهج العماني في التعايش والسلمية ونبذ العنف والتطرف والإرهاب.. هذه المدرسة التي إن سُلّط الضوء عليها يمكن أن تكون المحرّك الرئيس لإعادة صياغة الواقع من جديد، وسنشهد حتما ثورة فكرية وثقافية تنطلق تحت مظلة الحرية المضبوطة، فالواقع اليوم في أمس الحاجة لمثل هذه المدرسة.. والشباب العربي والإسلامي اليوم مطالب بالأخذ بزمام المبادرة وتحمل المسئولية، فدوره مهم جدًّا في ترسيخ المبادئ السامية، والتصدي لكل محاولة اختراق مجتمعاتنا وذلك بفترة ما يُكتب ويقال، والتحصّن الفكري تجاه ما يُبثّ من شعارات ومواقف كي لا يكونوا أداة في يد أصحاب المشاريع المشبوهة."


* التنمية والفكر والمعرفة:

الأستاذ عبد الله العجمي عضو فاعل في مجال التنمية المستدامة والعمل التنموي الاجتماعي، يحدثنا الأستاذ العجمي عن حال التنمية على الصعيد العربي وكيف يمكن تطبيقها فعليًّا وعلى من تقع المسؤولية فيقول: "حال التنمية في الوطن العربي مبشّر ويدعو للتفاؤل رغم ما تمر به من ظروف وتحديات صعبة.. مع الأخذ في الحسبان أن التنمية لن تبلغ أهدافها إلا بعد إشراك جميع فئات المجتمع بجميع أطيافه فيها وذلك بالتزامن مع تفعيل دور مؤسسات القطاع الخاص وإشراكها في كل الخطط إعدادًا وتنفيذًا ومتابعة."

ويرى بأن: "الفكر والثقافة هما ركيزتان أساسيتان من ركائز التنمية، لكنه لا يمكن الاستفادة من هذا الفكر دونما وعي، إذ أن الوعي بفلسفة التنمية من خلال العمل الجماعي والتطوعي واستغلال الموارد المتاحة. هو ما سيدفع عجلة التنمية لتشق طريقها". وحول ما إذا كان يرى بأننا بحاجة إلى ولادة منظومة قيمية جديدة لمواجهة تحديات العصر؟ يجيب: "ربما تكون بعض المجتمعات العربية قد أصابها اليأس من التغيير لفتور حماسها بفعل بعض الضغوطات المؤقتة على مدى عقود من الزمن.. لكن الوضع العربي والإسلامي بصورة عامة يدعو للتفاؤل بظهور ثورة فكرية تتغير بها مجموعة من القيم التي يلاحظ بعض الانحراف في مساراتها، بحيث يكون الفِكر الواعي أداتها والإعلام وسيلتها ونشر ثقافة التعايش وتقبّل الآخر وحوار الحضارات غايتها.. لتتكون لدينا منظومة قيمية حاكمة لسلوك المجتمع، وكلما تم التأصيل لمثل هذه المنظومة على يد إصلاحيي ومفكري هذه الأمة كلما احتفظ المجتمع بقوته وخصوصيته، واستطاع بذلك أن يحقق الرفاهية المجتمعية."

انطلاقًا من هذا سألناه عن مقالته التي حملت عنوان: "نظافة العقول أولى وأهم" كيف يمكن للعقل العربي أن يكون نظيفًا في جو مليء بالترهات والماديات والتعصب؟ يرى بأنه: "يمكن ذلك من خلال تفكير تربوي استراتيجي مبني على منظومة قيَمية - كالتي أشرنا إليها آنفًا – يكون لها الدور الأساسي في مكافحة تطرف الأفكار فينعكس ذلك تلقائيًّا على سلوك المجتمع ككل."

وبالختام تحدث عن مشاريعه الحالية والمستقبلية بالقول: "أعكف حاليًّا على إعداد دراسة عن الإعلام الرقمي ومدى تأثيره على الرأي العام وصناعة القرار.. ولي مشروع مستقبلي بحول الله لعمل تحقيق حول شخصية إسلامية عُمانية لمع نجمها في القرن الثالث الميلادي وكان لها بالغ الأثر في الفقه الإسلامي ويعتبر مرجعًا مهمًا فهو أوّل من هذّب الفقه واستخدم النظرة الاجتهادية وقام بفصل مباحث الأصول عن الفروع، أسأل الله العون والتوفيق لإتمامها."

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد