لقاءات

سلمان الرامس: كثر يتجاهلون أهمية التاريخ في تهذيب الإنسان ونضجه


نسرين نجم ..

يعتبر التاريخ كمرآة للأمم عاكسًا لماضيها ومترجمًا لحاضرها، ومنه يؤخذ العبر والحكم لصناعة المستقبل، وكما تقول المقولة الشائعةالشعوب التي لا تاريخ لها لا وجود لها. انطلاقًا من هنا كان لنا هذا الحوار مع المؤرخ والكاتب والباحث الأستاذ سلمان الرامس صاحب الكتب والأبحاث والدراسات التاريخية القيمة:


* دراسة التاريخ تعطي للباحث عمرًا إضافيًّا:

اختار الأستاذ سلمان الرامس عالم التاريخ وانخرط فيه بطريقة تلقائية عفوية: "دون تأثر من أحد غير أن ميولي لمعرفة العالم من حولي والغوص في حياة الإنسان قديمًا كانا السبب وراء اهتمامي بالتّاريخ حيث وجدت فيه المتعة والفائدة والتأثير الكبير على شخصيتي، الأمر الذي جعلني أواصل اهتمامي في هذا المجال، وفي اعتقادي أن المزاج يؤدي دورًا مهمًّا في هذه الحالة، فإن دراسة التاريخ تعطي الباحث عمرًا إضافيًّا وتوسّع من مداركه وتزيده حكمة وعلمًا وحنكة وسياسة، فالسياسي مثلًا لابد له أن يطلع على التاريخ وتجارب من سبقوه". ويعرّج المؤرخ الرامس على أهمية التاريخ على الصعيدين الفردي والمجتمعي انطلاقًا من كلام: "لابن إدريس الحلي": "ولولا ما رسمت لنا الأوائل في كتبها، وخلدت من عجائب حكمتها، ودونت من أنواع سيرها حتى شاهدنا بها ما غاب عنا، وفتحنا بها كل مستغلق كان علينا، فجمعنا إلى قليلنا كثيرهم، وأدركنا مالم نكن ندركه إلا بهم، لقد خس حظنا من الحكمة، وصعبت سبلنا إلى المعرفة".  فالاطلاع والتفكّر في سيرة الماضين له التّأثير الكبير في تكوين شخصية الإنسان ولذلك نجد القرآن الكريم كثيرًا ما يقص القصص لا من أجل المتعة بل من أجل الفائدة والتغيير. وكذلك المجتمع بشكل عام والشباب خاصة يحتاجون للتعرف على تاريخهم القديم ويكون الشاب واثقًا من أنه له جذور ضاربة في التاريخ وله هوية، وأنه قادر على  المواصلة والاستمرار فإن معرفة إبداعات الأجداد وتضحياتهم يعطي الشاب دافعًا كبيرًا للاستمرار والتغيير والتضحية."

أما بالنسبة لوعي الشعوب العربية وثقافتهم بالاطّلاع على تاريخ الحضارات والشعوب فيرى الأستاذ الرامس الناس: "منقسمين بحسب ثقافتهم فالكثير من الناس حتى الجامعيين من أطباء ومهندسين ومعلمين والذين لا يمكن أن نطلق عليهم مثقفين بأي حال من الأحوال حتى هؤلاء يتساءلون وبسخرية أحيانًا عن أهمية دراسة التاريخ والغوص في الزمن الغابر وهل هذا له علاقة بتقدم الشعوب وتطور الأمم، الكثير من الناس يبحثون عن المادة وما يؤثر في حياة الإنسان بشكل عملي أو مادي مثل التكنولوجيا ويتجاهلون أهمية التاريخ في تهذيب الإنسان ونضجه الأمر الذي يؤثر في كافة مجالات الحياة."

لدى الأستاذ سلمان الرامس كتاب هام عن "جزيرة تاروت التاريخ والجغرافيا" فسألناه عن أهمية مثل هكذا كتب في تثقيف وتوعية الشباب للتعرف على تاريخهم أجاب: "نعم كتبت عن تاريخ القطيف والساحل الشرقي لشبه الجزيرة العربية بشكل عام وكان تركيزي على القطيف وعلاقاتها التاريخية بالمنطقة المحيطة بها في عمان والبحرين والعراق وإيران وفي حقب زمنية مختلفة تبدأ من 4000 سنة قبل الميلاد وحتى العصور الإسلامية، باعتبار القطيف عاصمة ذلك الساحل وأهم مدنه على الإطلاق وهي تحوي على متروكات أثرية كثيرة ومهمة تحتاج إلى التنقيب والبحث والدراسة". وتابع: "بعكس الزمن الفائت أصبح الشباب وطلاب المرحلة الثانوية والجامعية يهتمون بالتاريخ ويتفاعلون مع ما يطرح في وسائل التواصل الاجتماعي ويستفسرون ويناقشون، أما عن كتابي جزيرة تاروت فهو بحث تطبيقي ودراسة ميدانية عن المتغيرات الجغرافية والبيئية في الجزيرة خلال 100 عام تقريبًا وهو أيضًا دراسة تاريخية عن المنطقة وأول كتاب من نوعه عن جزيرة تاروت والتي تعتبر أهم موقع لمدينة في الخليج العربي وتحتوي على متروكات أثرية مهمة جدًّا تعود إلى حوالي 4000 قبل الميلاد وحتى العصر الإسلامي."


* الباحث في التاريخ ما بين الموضوعية والصعوبات:

البعض يعتبر بأن المؤرخ لا يمكنه أن يكون موضوعيًّا في عرض الأحداث وكتابة التاريخ وأنه ستتدخل في كثير من الأحيان خصوصيته العاطفية والدينية والمناطقية، حول هذه النقطة يعلق الأستاذ الرامس: "الباحث في شؤون التاريخ هو بشر في نهاية المطاف غير أن الدراسة الجادة يجب أن تكون موضوعية تتبع خطوات البحث العلمي متجردة من العاطفة والأهواء فالباحث الحقيقي هو ذلك الذي يتبع الدليل ويأخذ عن المتخصصين". وبالطبع مثل هكذا اختصاص يتطلب جهدًا كبيرًا ويواجه بالكثير من الصعوبات والعوائق: "أهمها شح المصادر في بعض الفترات الزمنية وعدم قدرة الباحث على ملاحقة بعض المخطوطات المهمة ووجودها مع مجموعة من الوثائق عند أشخاص يخشون أن يطلع عليها الآخر ويرفضون التعاون مع الباحث، ومن جهة أخرى تعتبر قلة عمليات التنقيب عن الآثار في بعض المناطق من المعوقات الكبيرة لفهم ودراسة تاريخ منطقة ما."

تاريخ الأمة العربية والاسلامية مليء بالأحداث وبالمواقف ولكن هل استفدنا من هذه الحقبات الزمنية؟ يرى الرامس بأن: "علاقة الحاكم بالمحكوم والقوي بالضعيف مازلت تعاني منها الأمة وتبديد مخاوفها من الصراعات والأوهام عقبة حقيقية في طريق التغيير، وإعادة النظر فى العلاقة التي تربط بين الحاكم والمحكوم وتحديد استراتيجيات الأمة بشكل صحيح، مازالت الأمتين العربية والإسلامية تحتاجان إلى نبذ الخلافات والتركيز على تنمية الإنسان واستثماره بالشكل الصحيح".

وردًّا على السؤال الذي يطرح بشكل دائم، هل التاريخ يكرر نفسه أم أن المؤرخين هم من يكررون بعضهم البعض؟ يجيب الأستاذ الرامس: "التاريخ لا يملك شيئًا ولا يوجد ثمة إجبار على سلوك طريق معين في مسيرة التاريخ غير البشر، السلوك البشري المتأثر من رؤية الإنسان للأمور ومجموعة علاقاته بالمحيط تجعل الإنسان يكرر الأحداث نفسها ويعيد السلوك نفسه اتجاه بعض الأحداث هنا يتكرر التاريخ وتستنسخ الأحداث".
أما بالنسبة لمشاريعه الحالية والمستقبلية فيقول: "بعد أن أعدت طباعة كتابي القطيف دراسة في التاريخ القديم للمرة الثالثة وأعدت طباعة كتابي القطيف وبلاد البحرين في القرن الأول الهجري للمرة الثالثة أيضًا كتبت عن نسل العباس بن علي بن أبي طالب عليه السلام، ثم كتبت دراسة بيئية عن خليج تاروت، والآن أنا أعيد كتابة كتابي جزيرة تاروت التاريخ والجغرافيا".

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد