لقاءات

عدنان الحاجي: الترجمة الدقيقة تحتاج أن يكون المترجم وصاحب النص الأصلي على اتصال مباشر


نسرين نجم ..

يرتبط اسمه بالإبداع والابتكار والاختراع، فهو عنوان جاذب للمهتمين والمختصين بالأمور العلمية، إلى جانب خوضه مجالًا لا يُحسد عليه من ناحية الجهد المبذول والبحث الدائم عن المعلومة الصحيحة، ألا وهو الترجمة، فقد أمضى حتى الآن أكثر من ست سنوات في هذا المجال منتجًا مقالات وأبحاثًا مترجمة بطريقة دقيقة وعلى مستوى عال من المنهجية، إنه الباحث والمخترع والمترجم الأستاذ عدنان أحمد الحاجي الذي كان لنا معه هذا الحوار:

العالم العربي بأجمعه لا يترجم من العناوين أكثر مما تترجمه "إسرائيل" في العام الواحد
يعتبر الأستاذ عدنان الحاجي من المترجمين المتمرسين بالأحساء، لا بل في المنطقة العربية ككل، فقد بدأ رحلته في عالم الترجمة كما يقول: "كهاوٍ في عام ٢٠١١ وذلك عندما رأيت وسائل التواصل الاجتماعية والتي كان على رأسها آنذاك مجاميع البريد الإكتروني التي  تعج بالمشاركات والتي أفضل ما يقال عن أكثرها  أنها مفتقرة لما يسمى "بالفائدة المُضافة".  وهذا كان مزعجًا كثيرًا  لما ينطوي عليه من تضييع لأوقات الناس، وقد ساعدني بأن طبيعة عملي سمحت لي  بالاطلاع على ما ينشر بشكل يومي في الدوريات العلمية ومحاضر المؤتمرات العلمية التي تعقد دوريًّا في غير مكان، وقد رأيت أن هناك علومًا جمة ينشرها الآخر بلغته ربما في كثير من الأحيان لا تصل إلى القارئ العربي وذلك لأسباب منها عدم التفرغ لتتبع ما ينشر أو لعائق اللغة، لذا ارتأيت أن أخوض تجربة الترجمة لأقدم للقارئ العربي ما يردم بعضًا من الهوة الثقافية العلمية ويعطيه قيمة مضافة وبذلك يستثمر وقته في المفيد، إذ بعض هذه العلوم تنطوي على أفكار ملهمة ربما يولد منها القارئ  أفكارًا في غير مجال . بعض هذه العلوم تنطوي على نظريات وأبعاد فكرية جديدة ربما وفرت أدوات tool kit  علمية قد يستعين بها العلماء في غير مجال على حل بعض العقد العلمية التي يواجهونها في مجالهم وذلك لتقاطع العلوم في أكثر من مكان. الأمر الآخر الذي دعاني للترجمة هو مساعدة طلاب الدراسات العليا على التعرف على المجالات البحثية وفرق البحث العلمي ومراكزها".

الأستاذ عدنان الحاجي باحث ومخترع يتشرف به عالمنا العربي والإسلامي، وانطلاقًا من هنا سألناه عن الأستاذ عدنان المخترع المبتكر، وعن المرحلة التي نال فيها ١٤ براءة اختراع، فتحت أي عناوين تنطوي هذه الاختراعات؟ يقول: "طبعًا  هذه المرحلة ترجع إلى طبيعة عملي في أبحاث النفط والتي كانت على أكثر من صعيد حيث العمل التعاوني - لا التنافسي - أثمر  العديد من الأفكار القابلة  للتسجيل كبراءات اختراع وهذا ما نجحنا فيه. إذ كل براءات الاختراع ال ١٤ التي حصلنا عليها حتى الآن تدور في أكثرها حول صنع محفزات تكرير أو عمليات معالجة للنفط أو أحد مشتقاته أو قياس  مواصفات النفط أو مشتقاته. "
بالعودة إلى عالم الترجمة في عالمنا العربي والإسلامي يصف لنا حاله وحركته بالقول : "لا توجد إحصائيات حديثة عن واقع  الترجمة الحالي في العالم العربي لكن الإحصائيات تشير إلى وضع مأساويٍ لحال الترجمة حتى إن العرب لم يترجموا من زمن خالد بن يزيد والمأمون العباسي وحتى عام ١٩٩٥ أكثر من عشرة آلاف عنوان، بل  العالم العربي بأجمعه لا يترجم  من العناوين أكثر مما تترجمه إسرائيل في العام الواحد. وبما أن الترجمة عمل مضنٍ ومكلف في الوقت والمال مما يحتاج إلى عمل مؤسساتي ولذلك حتى على هذا الصعيد لا يجد المتفحص إلا القليل من المؤسسات التي تعنى بالترجمة ومنها على سبيل المثال لا الحصر في الخليج العربي: كلمة للترجمة في أبو ظبي وعالم المعرفة في الكويت. وهناك السعودي العلمي  الذي له محاولات لا بأس بها  في الترجمة. وفي الجانب التجاري تقوم  بعض دور النشر بالترجمة لكنها أقل ما يقال عنها إنها غير مهنية وذلك لاعتمادها الترجمة الحرفية السريعة مما يقتل المعنى المقصود في لغة المصدر ويتسبب في عزوف  القارئ أو عدم استيعابه لمفهوم النص".

وعن القضايا أو المواضيع التي تجذبه لترجمتها، وهل هناك معايير محددة يعتمدها لاختيار الموضوع أو القضية؟ يقول الأستاذ الحاجي: " المواضيع التي أهتم بها هي مواضيع  تمس حاجة المجتمع بالدرجة الأولى، والتي تشمل القضايا الصحية والاجتماعية والسلوكية وأبحاث العلوم الطبيعية التي أرى أنها يمكن أن تكون مصدر إلهام للقارئ من باب ما يسمى بتأثير الطائر الطنان حيث فكرة في مجال قد تقدح فكرة أخرى في مجال آخر". أما بالنسبة للمعايير فيحرص الأستاذ عدنان الحاجي بأن: "تكون الدراسة التي أترجمها حديثة النشر حيث أدعي أني وبحكم عملي متابع جيد للأبحاث المنشورة أولًا بأول، ومن جهة أخرى لا بد من أن تتوافر في الأبحاث المترجمة المادة التي يتوخى أن يستفيد منها المجتمع في حياته اليومية بشكل مباشر، ومن المعايير الأخرى التي ألتزم بها إلى حد ما هي أن تكون لغتها سهلة بالحد الممكن حتى لا يصعب فهمها على أكثر القرّاء  - مع أني لا أدعي أن كلها كذلك".        

 *الترجمة وخيانة النص الأصلي:
البعض يلجأ للترجمة حرفيًّا دون مراعاة لاختلاف دقة المعنى بين اللغات، والبعض الآخر يُدخل أراءه وتحليلاته بالموضوع، ما بين الاثنين أين هو الاستاذ عدنان الحاجي؟: "الترجمة الحرفية في كثير من الأحيان لا تعطي المعنى المطلوب ضمن السياق وهذا غالبًا ما يقتل روح النص المترجم منه مما يجعلها ممجوجةً من قبل القارئ، وللأسف  هذا ما لم تتنبه له الكثير من دور النشر التي تهتم بكمية المترجمات لا بنوعيتها، ولذلك أحرص أن أنقل المعنى الدقيق مهما أمكنني ذلك حتى لو اقتضى الأمر أن أُضمن تعريفًا للمصطلح عادة أترجمه من مرجع آخر من خارج النص وأضعه بين مزدوجين ضمن السياق أو في الهامش. بعض الأحيان أكتب مقدمة للنص المترجم تتضمن آرائي والتي قد أطعّمها بحكم أو روايات مأثورة أستلهمها من روح النص والتي قد تسهل على القارئ مقاربة النص المترجم ".
هناك مقولة شائعة تتحدث عن أن  "الترجمة خيانة للنص الأصلي" فهل يوافق على هذا الأمر؟ يعتبر بأنه: "ربما في ذلك بعض الصحة. ليست فقط الترجمة من لغة إلى أخرى التي قد تخطئ في نقل المعنى المقصود بل هذا ما يجري في تناقل/تداول حتى  الحديث بين  شخصين  وأكثر (بنفس اللغة) وهذا ما يراه حتى المتخصصين في رحال الحديث في دراستهم لمتن الحديث. وبرأيي المتواضع الترجمة الدقيقة تحتاج أن يكون المترجم وصاحب النص الأصلي على اتصال مباشر حتى يتفقا أن ما ترجمه المترجم هو ما عناه صاحب النص، وهذا للأسف ما لا يتوافر في أكثر الأحيان  للمترجمين."

مثل هكذا عمل يتطلب جهدًا ووقتًا وبالطبع هناك صعوبات قد يواجهها المترجم، عن هذه النقطة يقول الأستاذ عدنان الحاجي: "هي كثيرة وأهمها مطابقة الترجمة للنص المترجم منه وخاصة في المصطلحات التي لا توجد لها ترجمة في قواميس اللغة مما يضطر المترجم أن يترجمها بالمعنى والتي قد لا تحقق المعنى المراد في النص الأصلي مما يتطلب الاتصال بصاحب النص وهذا في كثير من الأحيان لا يتوافر حتى لو كان صاحب النص في البلد نفسه (وكمثال: هذا ما حدث لي بالضبط حين أردت معرفة مقصود أحد الباحثين الأجانب في إحدى الجامعات الوطنية من مصطلح استخدمه في ورقته العلمية). صعوبات أخرى قد تتأتى من ترجمة بعض الرسوم البيانية وجعلها مفهومة للقارئ إذ المعلومات دائمًا ما تكون مقتضبة وهذا لا يكفي في العادة لتوصيل المعلومة المطلوبة للقارئ، وهناك صعوبات لوجستية يتعلق معظمها بالحواسيب وبرامجها".

فهل يستفاد من هذا السعي للبحث عن المعلومة وإيصالها للقراء، في ساحتنا العلمية والفكرية؟ يرى بأن: "هذا مما لا أستطيع الإجابة عليه لوحدي ولا بد أن يُسأل القارئ عن ذلك. وإذا كان لي أن أخمن الجواب أقول أنه يمكن أن يستشف ذلك من مستوى تفاعل بعض الناس مع ما ننشره من أبحاث أن هناك استفادة حتى لو كانت الاستفادة معرفية".
ما بين الترجمة والإبداع عبر الاختراع، كيف استطاع الأستاذ عدنان الحاجي أن يوازي بينهما رغم أن الاثنين يحتاجان إلى الكثير من الوقت والجهد؟ يجيب: "الترجمة كانت وما زالت من منطلق هواية مجبر عليها لا مهنة أزاولها وذلك لما رأيت من نفسي أنه لي القدرة على تناول بعضها من باب "لا يسقط الميسور بالمعسور" وكاستجابة للتكليف تجاه المجتمع قمت بذلك متوكلًا على الله سبحانه وتعالى. وهذا لم يكن ليتعارض مع ما قمنا به من بعض ما أشرتم إليه والذي كان من ضمن محور مجال عملنا ."

السؤال الذي يطرحه الكثير من المهتمين والمتابعين لمجال الترجمة، إلى أي حدِّ نجد الشباب العربي مهتمًا بأمور الترجمة والاختراعات العلمية؟ وما هي نصائحه لهم؟ يعتبر الأستاذ الحاجي: "الشباب العربي ليسوا أقل من غيرهم لو تهيأت لهم الظروف المناسبة ولذلك نرى كثيرًا منهم مما يشار إليه بالبنان في الجامعات والمراكز البحثية العلمية المرموقة في الشرق والغرب.. الترجمة هي وسيلة وليست غاية في حد ذاتها وإذا قام بها البعض قد يكفي في توصيل المطلوب لكن ما هو مهم هو تحصيل المعرفة بأي طريقة. ونصيحتي للشباب بل وللكبار أيضًا هي الصبر والجد والمثابرة وعدم التهاون في تحصيل المعارف والاستلهام من كل شيء وهذا ما نلاحظه في الكثير من الاختراعات التي كانت ناجمة عن فكرة استلهمها صاحبها من شيء ما في  المحيط ربما مر عليه الكثير  من الناس دون أن يلحظوه - وهذا هو ما أحدث فرقًا".

وعن طموح الأستاذ عدنان الحاجي، وهل لطموحه من سقف محدد؟ يقول: "الإنسان بطبعه يسعى إلى الكمال وأعتقد هذا ينطبق علي أيضًا. وأكتفي هنا بنص الرواية  : "منهومان لا يشبعان طالب علم وطالب دنيا" وأتمنى أن أكون من النوع الأول".
يعرف عن الأستاذ عدنان الحاجي بأنه عصامي، وهنا سألناه إلى أي حد كانت هذه الصفة العامل المساعد للنجاح ولتحقيق الذات؟ فأجاب: "عصامي" كلمة كما يقول الخليجيون "اتخب علي" يعني "كثيرة علي". لكن أحب-  كما يحب غيري - أن أتعلم. ولهذا كانت هناك صعاب كثيرة واجهتها في هذا الطريق حاولت أن أتغلب عليها لعلي قطعت  بعض المراحل المتواضعة جدًّا في هذا المسير الطويل". أما بالنسبة لمشاريعه الحالية والمستقبلية فيقول: "الآن أنا متفرغ بعد التقاعد من العمل ومشروعي الحالي هو ترجمة أكبر عدد ممكن من الدراسات والتي أهدف منها- كما يهدف الكثير غيري - نشر المعرفة بين الناس. وأتمنى بمساعدة بعض الإخوان أن تجمع هذه الدراسات في كتاب قد يرى النور في وقت ليس بالطويل ".

وفي ختام الحوار كان له هذه الكلمة: "أجد لزامًا علي أن أقول هنا إن كمية ونوعية المعارف الصادرة بلغات غير عربية تقاس بالأطنان بالمقارنة بالكمية المتواضعة جدًا التي  تصدر باللغة العربية حتى قيل إن ما يصدر سنويًّا يزيد على مليوني ورقة علمية في العالم. ويقال إن الصين مثلًا تتصدر بل وتنافس الولايات المتحدة الأمريكية في عدد الأوراق العلمية المنشورة في دوريات علمية. وهذا يتطلب بإلحاح مترجمين من اللغة الصينية إلى العربية حتى يتمكن العالم العربي من مواكبة العلوم التي تصدر هناك. كما أن هناك لغات أخرى  في صدارة ما يستخدم في نشر أوراق علمية وهي الفرنسية والألمانية والروسية وهذا ما يدعونا إلى مواكبة تلك العلوم وذلك بنقلها إلى اللغة العربية.

لا أجد كلمة هنا اختم بها هذه المقابلة أفضل مما ورد في الرواية التي تقول :العلم خير من المال، العلم يحرسك وأنت تحرس المال، والمال تنقصه النفقة، والعلم يزكو على الانفاق".

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد