مقالات

وصاية ووفاة الامام السجاد (عليه السلام)


الشيخ عباس القمي ..

روى الشيخ الثقة الجليل عليّ بن محمد الخزاز القمي في كفاية الأثر عن عثمان بن عثمان بن خالد أنّه قال: مرض عليّ بن الحسين (عليه السلام) في مرضه الذي توفي فيه، فجمع أولاده محمدًا والحسن وعبد اللّه وعمر وزيدًا والحسين وأوصى إلى ابنه محمد بن عليّ (عليه السلام) وكنّاه الباقر، وجعل أمرهم إليه، وكان فيما وعظه في وصيّته أن قال: «يا بنيّ إنّ العقل رائد الروح والعلم رائد العقل (إلى أن قال) واعلم أنّ الساعات تذهب عمرك وأنّك لا تنال النعمة إلّا بفراق أخرى فإيّاك والأمل الطويل فكم من مؤمل أملًا لا يبلغه وجامع مال لا يأكله ...» .
وروي أيضًا عن الزهري أنّه قال: دخلت على عليّ بن الحسين (عليه السلام) في المرض الذي توفي فيه إذ قدّم إليه طبق فيه خبز والهندباء فقال لي كله، قلت: قد أكلت يا ابن رسول اللّه، قال: إنّه الهندباء، قلت: وما فضل الهندباء؟ قال: ما من ورقة من الهندباء إلّا وعليها قطرة من ماء الجنّة، فيه شفاء من كلّ داء.
قال: ثم رفع الطعام وأتي بالدهن، فقال: ادهن يا أبا عبد اللّه، قلت: قد ادّهنت، قال: إنّه هو البنفسج، قلت: وما فضل البنفسج على سائر الأدهان؟ قال: كفضل الإسلام على سائر الأديان، ثم دخل عليه محمد ابنه فحدّثه طويلًا بالسرّ فسمعته يقول فيما يقول: «عليك بحسن الخلق».
 قلت: يا ابن رسول اللّه إن كان من أمر اللّه ما لا بد لنا منه- ووقع في نفسي أنّه قد نعى نفسه- فإلى من يختلف بعدك؟ قال: يا أبا عبد اللّه إلى ابني هذا- وأشار إلى محمد ابنه- إنّه وصيّي ووارثي وعيبة علمي، معدن العلم وباقر العلم، قلت: يا ابن رسول اللّه ما معنى باقر العلم؟
قال: سوف يختلف إليه خلّاص شيعتي ويبقر العلم عليهم بقرًا.
قال: ثم أرسل محمدًا (الباقر) ابنه في حاجة له في السوق، فلمّا جاء محمد قلت: يا ابن رسول اللّه هلّا أوصيت إلى أكبر أولادك؟ قال: يا أبا عبد اللّه ليست الإمامة بالصغر والكبر، هكذا عهد إلينا رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) وهكذا وجدناه مكتوبًا في اللوح والصحيفة.
قلت: يا ابن رسول اللّه فكم عهد إليكم نبيّكم أن يكون الأوصياء من بعده؟
قال: وجدنا في الصحيفة واللوح اثني عشر أسامي مكتوبة بإمامتهم وأسامي آبائهم وأمّهاتهم، ثم قال: يخرج من صلب محمد ابني سبعة من الأوصياء فيهم المهديّ صلوات اللّه عليهم.
وروى الكليني عن الباقر (عليه السلام) أنّه قال: لمّا حضر عليّ بن الحسين (عليه السلام) الوفاة ضمّني إلى صدره ثم قال: يا بني أوصيك بما أوصاني به أبي (عليه السلام) حين حضرته الوفاة ومما ذكر أنّ أباه أوصاه به قال: «يا بنيّ إياك وظلم من لا يجد عليك ناصرًا إلّا اللّه».
وروي في البحار عن بصائر الدرجات أنّه التفت عليّ بن الحسين (عليه السلام) إلى ولده وهو في الموت وهم مجتمعون عنده، ثم التفت إلى محمد بن عليّ ابنه فقال: يا محمد هذا الصندوق فاذهب به إلى بيتك، ثم قال: أما أنّه لم يكن فيه دينار ولا درهم ولكنّه كان مملوءًا علمًا.
وفي رواية أنّه حمل الصندوق بين أربعة رجال وكان فيه سلاح رسول اللّه وكتبه.
وروي في جلاء العيون عن بصائر الدرجات عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: لما كان الليلة التي وعدها عليّ بن الحسين (عليه السلام) قال لمحمد: يا بني أبغي وضوء، قال: فقمت فجئت بوضوء، قال: لا ينبغي هذا فإنّ فيه شيئًا ميتًا، قال: فخرجت فجئت بالمصباح فإذا فيه فأرة ميتة، فجئته بوضوء غيره.
قال: فقال: يا بني هذه الليلة التي وعدتها، فأوصى بناقته أن يحضر لها عصام‏  ويقام لها علف، فجعلت فيه فلم نلبث أن خرجت حتى أتت القبر فضربت بجرانها ورغت وهملت‏ عيناها، فأتي محمد بن عليّ فقيل: إنّ الناقة قد خرجت إلى القبر فضربت بجرانها ورغت وهملت عيناها.
فأتاها فقال: مه الآن قومي بارك اللّه فيك فسارت ودخلت موضعها فلم نلبث أن خرجت حتى أتت القبر فضربت بجرانها ورغت وهملت عيناها فأتي محمد بن عليّ فقيل له: إنّ الناقة قد خرجت، فأتاها فقال: مه الآن قومي، فلم تفعل، قال: دعوها فإنّها مودّعة، فلم تلبث إلّا ثلاثة حتى نفقت‏ .
ولقد حجّ عليها اثنين وعشرين حجة فلم يقرعها بسوط قط.
وروى عليّ بن إبراهيم بسند أبي الحسن عن الإمام الرضا (عليه السلام) أنّه قال: لما حضر عليّ بن الحسين (عليه السلام) الوفاة أغمي عليه ثلاث مرّات فقال في المرّة الأخيرة: «الحمد للّه الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنّة حيث نشاء فنعم أجر العاملين» ، ثم توفي (عليه السلام).
ورواها الكليني بسند حسن عن الإمام الرضا (عليه السلام) وأضاف أنّه قرأ سورة الواقعة وسورة الفتح ثمّ تلا الآية الكريمة. (انتهى)   وذكر في مدينة المعاجز عن محمد بن جرير الطبري أنّه: لما حضرت عليّ بن الحسين الوفاة قال لولده: يا محمد أيّ ليلة هذه؟ قال: ليلة كذا، قال: وكم مضى من الشهر؟ قال: كذا وكذا، قال: وكم بقي؟ قال: كذا وكذا، قال: إنّها الليلة التي وعدتها.

قال: ودعا بوضوء وقال: إنّ فيه فأرة ... فأمر بذلك الماء فأهرق وأتوه بماء آخر، ثم توضأ وصلّى حتى إذا كان آخر الليل توفي.
وفي دعوات الراوندي أنّه كان زين العابدين (عليه السلام) يقول عند الموت: «اللهم ارحمني فإنّك كريم، اللهم ارحمني فإنّك رحيم» فلم يزل يرددها حتى توفي (عليه السلام).
فلمّا توفي ضجت المدينة بالبكاء والنحيب وبكى عليه الرجل والمرأة والصغير والكبير والحرّ والعبد وظهر الحزن في السماء والأرض.
وروي عن عليّ بن زيد وعن الزهري أنّه قال: قلت لسعيد بن المسيب إنّك أخبرتني أنّ عليّ بن الحسين النفس الزكية وإنّك لا تعرف له نظيرًا، قال: كذلك وما هو مجهول ما أقول فيه، واللّه ما رؤي مثله، قال عليّ بن زيد: فقلت: واللّه إنّ هذه الحجة الوكيدة عليك يا سعيد فلم لم تصلّ على جنازته؟
فقال: إنّ القراء كانوا لا يخرجون إلى مكة حتى يخرج عليّ بن الحسين (عليه السلام) فخرج وخرجنا معه ألف راكب، فلمّا صرنا بالسقيا نزل فصلّى وسجد وسبّح في سجوده فلم يبق حوله شجرة ولا مدرة إلّا سبحت بتسبيحه، ففزعت من ذلك وأصحابي، ثم قال: يا سعيد إنّ اللّه جلّ جلاله لمّا خلق جبرئيل ألهمه هذا التسبيح فسبحت السماوات ومن فيهنّ لتسبيحه الأعظم وهو اسم اللّه جلّ وعزّ الأكبر.
 يا سعيد أخبرني أبي الحسين عن أبيه عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) عن جبرئيل عن اللّه جلّ جلاله أنّه قال: ما من عبد من عبادي آمن بي وصدّق بك وصلّى في مسجدك ركعتين على خلاء من الناس إلّا غفرت له ما تقدم من ذنبه وما تأخّر، فلم أر شاهدًا أفضل من عليّ بن الحسين (عليه السلام) حيث حدّثني بهذا الحديث.
فلمّا أن مات شهد جنازته البرّ والفاجر وأثنى عليه الصالح والطالح وانهال (الناس) يتبعونه حتى وضعت الجنازة، فقلت: إن أدركت الركعتين يومًا من الدهر فاليوم هو، ولم يبق إلّا رجل وامرأة ثم خرجا إلى الجنازة وثبت لأصلّي فجاء تكبير من السماء فأجابه تكبير من الأرض وأجابه تكبير من السماء فأجابه تكبير من الأرض، ففزعت وسقطت على وجهي فكبّر من في‏ السماء سبعًا ومن في الأرض سبعًا وصلّى على عليّ بن الحسين صلوات اللّه عليهما، ودخل الناس المسجد فلم أدرك الركعتين ولا الصلاة على عليّ بن الحسين صلوات اللّه عليهما.
 فقلت: يا سعيد لو كنت أنا لم أختر إلّا الصلاة على عليّ بن الحسين إنّ هذا لهو الخسران المبين، فبكى سعيد، ثم قال: ما أردت إلّا خيرًا ليتني كنت صلّيت عليه فإنّه ما رؤي مثله‏.
وذكر في جنات الخلود أنّ علي بن الحسين (عليه السلام) توفي بالمدينة في بيته ودفن في البقيع عند عمّه، ولذلك المكان شرف عظيم وهو من البقاع المكرمة التي من دفن فيها دخل الجنة بغير حساب لكن بشرط الإيمان الكامل والصحيح كما في الحديث المعتبر: الحجون والبقيع يؤخذان بأطرافهما وينثران في الجنة .

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد