قرآنيات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ محمد صنقور
عن الكاتب :
عالم دين بحراني ورئيس مركز الهدى للدراسات الإسلامية

﴿قُلْ كُلًّ مِّنْ عِندِ اللّهِ﴾ وشبهة الجبر


الشيخ محمد صنقور ..

قال تعالى في سورة النساء في الآية 78: ﴿وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَذِهِ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَذِهِ مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلًّ مِّنْ عِندِ اللَّهِ﴾، هذه الآية يُشَمُّ منها تأييدٌ لرأي المجبرة، فالحسنة في اللغة العربيَّة لها مَعَانٍ كثيرة منها: الرحمة والخير وكذلك السَّيئة لها معاني عديدة: كالمصيبة والحدث المؤلم ونقص الأموال.
كما وورد في سورة آل عمران في الآية 120: ﴿إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا﴾، ولكن أريد توضيحًا منكم في الجزء الأخير المذكور في الآية 78 من سورة النّساء المذكوره في مبدأ الكلام: ﴿قُلْ كُلًّ مِّنْ عِندِ اللّهِ﴾ وذلك لقصر استيعابي وفهمي.
الجواب: ليس المراد من الحسنة في الآية الشريفة هي الطاعة كما أنّ السيئة في الآية الشريفة ليست بمعنى المعصية، بل المراد من الحسنة في المقام هو ما يتلائم مع طبع الإنسان من صحةٍ ورخاءٍ وعافية وسعة وأمنٍ وسلامة، والمراد من السيئة هو ما تنفر منه طبيعة الإنسان من فقرٍ وجدب ومرض وهزيمة وخوف وشدة، وعليه يكون المراد من قوله: ﴿قُلْ كُلًّ مِّنْ عِندِ اللّهِ﴾(1)، أنَّ مطلق ما يُصيب الإنسان سواءً كان مما يستحسنه ويستسيغه أو كان مما يسوءه هو من عند الله تعالى.
والقرينة على أن المراد من الحسنة والسيئة هو ما ذكرناه هي التعبير بالإصابة ﴿إِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ﴾، ﴿وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ﴾ فكلا الأمرين خارجين عن فعلهم إذ إنَّ الإصابة تعني وقوع الشيء عليهم وليس صدروها عنهم.
فمعنى الآية المباركة كما هو مفاد بعض الروايات أن المنافقين ويهود المدينة المنورة كانوا إذا صلحت الزوروع والثمار وغمرتهم الأمطار وانتعشت مواشيهم وبهائمهم وتناسلت وتكاثرت قالوا: هذا من عند الله تعالى، وإذا أجدبوا أو نفقت مواشيهم وتلفت زروعهم لآفة سماوية أو غيرها قالوا: هذا بسبب النبي (ص) بمعنى أنّ مجيئه للمدينة كان شؤماً عليهم. فأجابهم القرآن الكريم بقوله: ﴿قُلْ كُلًّ مِّنْ عِندِ اللّهِ فَمَا لِهَؤُلاء الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا﴾.
فيكون مساق هذه الآية مساق قوله تعالى حكايةً عن بني إسرائيل: ﴿وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَى وَمَن مَّعَهُ﴾(2) ، أي إذا أصابتهم شدّة ومحنة تشاءموا من نبي الله موسى ومن معه من المؤمنين.
وبما ذكرناه يتبين عدم دلالة الآية المباركة على نظرية الجبر والتي تعني أن الأفعال الاختيارية التي تصدر عن الإنسان سواءً كانت من سنخ الطاعات أو من سنخ المعاصي ليست في واقع الأمر اختيارية للإنسان بل هو مجبور عليها.
فمما ذكرناه يتبين أن الآية أجنبية عن هذه الدعوى تمامًا، إذ هي ليست بصدد الحديث عن الأفعال الاختيارية للإنسان وإنما هي بصدد الحديث عن النوازل والحوادث التي تُصيب الإنسان فهي المراد من قوله تعالى: ﴿قُلْ كُلًّ مِّنْ عِندِ اللّهِ﴾.


1- النساء/78.
2- الأعراف/131.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد