علمٌ وفكر

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ عبدالهادي الفضلي
عن الكاتب :
الشيخ الدكتور عبدالهادي الفضلي، من مواليد العام 1935م بقرية (صبخة العرب) إحدى القرى القريبة من البصرة بالعراق، جمع بين الدراسة التقليدية الحوزوية والدراسة الأكاديمية، فنال البكالوريوس في اللغة العربية والعلوم الإسلامية ثم درجة الدكتوراه في اللغة العربية في النحو والصرف والعروض بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف، له العديد من المؤلفات والمساهمات على الصعيدين الحوزوي والأكاديمي.rnتوفي في العام 2013 بعد صراع طويل مع المرض.

العدل بين المعنى اللغوي والاصطلاحي


الدكتور عبد الهادي الفضلي ..
...لكلمة (العدل) في اللغة أكثر من مدلول، واستعملت في القرآن الكريم في أكثر من مدلول أيضاً.
ومن أهمها المدلولان التاليان المرتبطان بموضوعنا وهما :
1 - العدل بمعنى الاستقامة في الفعل بوضع الشيء في موضعه، فلا ظلم ولا جور.
وعرّف بأنه خلاف الجور والظلم ... ومما يدل عليه من الاستعمال القرآني أمثال :
{وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} [النساء: 58] ، {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا} [الأنعام: 115] ، {وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ } [الأعراف: 159].
ومن الحديث الشريف :
(من المنجيات كلمة العدل في الرضا والسخط).
2 - العدل بمعنى الإنصاف الذي يأتي وسطاً بين الظلم والتفضل (الإحسان). ويكون هذا في المعاملة، فلا جور بإنقاص الحق، ولا تفضل بالزيادة عليه.
ومنه قوله تعالى : {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ } [النحل: 90] ، ومن كلام الشيخ الصدوق هنا ما نصه : «إن اللّه أمر بالعدل وعاملنا بما فوقه وهو التفضل، وذلك أنه تعالى يقول : {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ } [الأنعام: 160] .
والعدل : هو أن يثيب على الحسنة الحسنة، ويعاقب على السيئة السيئة».
والعدل : اسم من أسمائه الحسنى، وهو مصدر أقيم مقام اسم الفاعل (عادل) بمعنى (ذي العدل).
وهو أنه تعالى لا يظلم ولا يجور ولا يجحف في حق ذي حق.
هذا في اللغة .. وهو المقصود هنا أيضاً، ولذا عرّف كلامياً :
- كما عن القاضي المعتزلي - بأنه : «العلم بتنزيهه تعالى من أمور ثلاثة :
أحدها : القبائح أجمع.
وثانيها : تنزيهه عن أن لا يفعل ما يجب من ثواب وغيره.
وثالثها : تنزيهه عن التعبد بالقبيح وخلاف المصلحة وإثبات جميع أفعاله حكمة وعدلاً وصواباً(1)».
وهو - كما ترى - تعريف لمعنى الاعتقاد بالعدل، وليس تعريفاً للعدل باعتباره صفة من صفات اللّه تعالى، وبخاصة أنه أدخل المعرَّف ضمن التعريف بقوله : (عدلاً).
إلا أننا نستطيع أن نستخلص تعريف العدل كصفة من مضمون التعريف المذكور، بأنه : عدم فعل القبيح، وعدم الإخلال بالواجب، وعدم التكليف بما لا مصلحة فيه.
وعرّفه الفاضل المقداد بأنه «تنزيه الباري تعالى عن فعل القبيح والإخلال بالواجب(2)».
فاقتصر في تعريفه على بيان معنى العدل باعتباره صفة من صفات اللّه تعالى، وهو المطلوب هنا.
والعدل من صفات الفعل كما هو واضح من التعريف، وأيضاً هو من الصفات الثبوتية لأنه وصف وجودي، ومما يتطلبه الكمال المطلق للذات الإلهية.
وقد يوهم تعريفه المذكور أعلاه بأنه من الصفات السلبية، لأنه اشتمل على ألفاظ سلبية مثل: التنزيه والعدم.
لكن لعلمنا بأنهم غالباً ما يستخدمون الطريقة السلبية في التعريفات ندرك أنه ليس من مقصودهم إدراج العدل في قائمة الصفات السلبية لأننا نستطيع أن نستعمل الطريقة الإيجابية في تعريفه، فنقول : العدل : هو فعل الحسن والإتيان بالواجب.
شرح التعريف :
ومن هنا لا بد لنا لمعرفة معنى العدل من معرفة المفاهيم التي اشتمل عليها التعريف، وهي: الفعل، الواجب. الحسن والقبح.
1 - الفعل : عرّفه بعضهم كالقاضي المعتزلي بقوله : «الفعل : هو ما يحدث من القادر»(3).
وبه نفسه عرّفه أبو الحسين البصري.
وأورد عليه العلامة الحلي في (كشف المراد)(4) بأنه يلزم منه الدور لتعريفهم القادر بأنه الذي يصح أن يفعل وأن لا يفعل، ثم قال : «الفعل أعم من الصادر عن قادر أو غيره».
ولم يعرفه لأنه من المتصورات الضرورية كما نص على ذلك.
وهو - في الواقع - من المفاهيم التي هي أعرف من أن تعّرف، ومن هنا لم يحده الكثير من المتكلمين، واكتفوا بأن قالوا : الفعل ضروري التصور، أو هو من المتصورات الضرورية.
فالفعل هو ما نفهمه من مدلول لهذه الكلمة.
وقسموا الفعل الحادث إلى قسمين هما :
أ - ما لا يكون له صفة زائدة على حدوثه، مثل : حركة الساهي والنائم.
ب - ما يكون له صفة زائدة على حدوثه.
ثم قسموا القسم الثاني إلى قسمين أيضاً هما : الحسن والقبيح.
وقسموا الحسن إلى قسمين أيضاً هما :
أ - ما لا يكون له صفة زائدة على حسنه، وهو المباح.
وعرّفوه بأنه : «ما لا مدح في فعله ولا تركه ولا ذم فيهما»(5).
ب - ما يكون له صفة زائدة على حسنه.
وقسموه إلى قسمين هما : الواجب والمندوب.
أ - الواجب : وهو ما يستحق فاعله المدح بفعله والذم على تركه.
ب - المندوب : وهو ما يستحق فاعله المدح بفعله، ولا يستحق الذم بتركه.
ومن التقسيم هذا عرفنا معنى الواجب بأنه ما يستحق فاعله المدح بفعله، والذم على تركه.
__________________
(1) المختصر في أصول الدين 318.
(2) النافع يوم الحشر 43.
(3) المختصر في اصول الدين 347.
(4) ص 235.
(5) نهج المسترشدين 45.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد