مقالات

في بيان أنواع التكبّر

 

الشيخ محمّد باقر المجلسي .. 
اعلم أنّ التكبر ترفّع النفس وإظهار الكبرياء والعظمة وله أنواع :
فالأول الذي هو من أقبح الأنواع ، ويوجب الكفر ، وقد فسّر التكبر به في كثير من الأحاديث أن يتكبر عن عبادة الله ومتابعة الأنبياء والأوصياء والعلماء وأهل الحق ، وعن متابعة نفس الحق ، وعن قبول فضل من فضلّهم الله تعالى، كتكبر الكفار عن متابعة الأنبياء ، وتكبر المنافقين عن متابعة الأوصياء ، لأنّ أهواءهم كانت تمنعهم من اتباع شخص أقلّ شأناً منهم بحسب عقولهم الناقصة ، وأبصارهم العمياء وأن يقرّوا بفضله كما مرّ في الخطبة القاصعة.
والثاني أن يحقّر الناس ويزعم أنّه أفضل منهم.
والثالث الذي تكون نتيجته بناء الدور الرفيعة إظهاراً للزيادة ، ولبس الثياب الفاخرة ، وركوب الجياد الأصيلة وكثرة الخدم بقصد التفوّق والرفعة على أمثاله وأقرانه والفقراء والمساكين.
والرابع أن يتوقع الاحترام والتواضع من الناس لنفسه ويرتفع عليهم ، ويميل طبعهم إلى كون الناس أذلاّء ، ويطلبون العزّة والرفعة في المشي والجلوس والقيام وسائر الحركات والسكنات ، ويطلبون من المجالس صدورها ، ويجتنبون الأعمال الحسنة المنافية لوقارهم.
فالأنواع كلّها تتشابه فيما بينها ، وهناك أنواع أخر ترجع إلى ما ذكرناه ، والأخبار على هذه المضامين كثيرة.
روي بسند معتبر عن أبي عبدالله عليه ‌السلام أنّه قال : أعظم الكبر أن تسفه الحقّ ، وتغمص الناس ، قلت : وما سفه الحقّ ؟ قال : يجهل الحقّ ويطعن على أهله .
وروى أيضاً أنّ رجلاً قال له عليه‌ السلام : إنني آكل الطعام الطيب ، وأشمّ الريح الطيبة ، وأركب الدابة الفارهة ، ويتبعني الغلام ، فترى في هذا شيئاً من التجبّر فلا أفعله ؟ فأطرق أبو عبدالله عليه ‌السلام ثمّ قال : إنّما الجبار الملعون من غمص الناس ، وجهل الحق ، قال [ الراوي ] : فقلت : أما الحقّ فلا أجهله ، والغمص لا أدري ما هو ، قال : من حقّر الناس وتجبر عليهم فذلك الجبار .
وقال عليه‌ السلام : لا يدخل الجنّة من كان في قلبه مثقال حبّة من خردل من الكبر ، قال [ الراوي ] : فاسترجعت، فقال : ما لك تسترجع؟ قلت : لما سمعت منك ، فقال : ليس حيث تذهب إنّما أعني الجحود ، إنّما أعني الجحود .
وروي بسند معتبر أنّه مرّ رسول صلى‌ الله ‌عليه ‌وآله ‌وسلم على جماعة فقال : على ما اجتمعتم؟ قالوا : يا رسول الله هذا مجنون يصرع فاجتمعنا عليه ، فقال : ليس هذا بمجنون ولكنّه المبتلى ، ثم قال : ألا أخبركم بالمجنون حق المجنون؟ قالوا : بلى يا رسول الله .
قال : [ إنّ المجنون حق المجنون ] المتبختر في مشيته ، الناظر في عطفيه ، المحرّك جنبيه بمنكبيه ، يتمنّى على الله جنّته وهو يعصيه ، الذي لا يؤمن شرّه ، ولا يرجى خيره ، فذلك المجنون ، وهذا المبتلى .
وقال صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله ‌وسلم : إذا مشت أمتي المطيطاء ، وخدمتهم فارس والروم كان بأسهم بينهم. والمطيطاء التبختر ومدّ اليدين في المشي .
وروي بسند معتبر عنه صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله ‌وسلم أنّه قال : أخبرني جبرئيل عليه ‌السلام أنّ ريح الجنّة يوجد من مسيرة ألف عام ما يجدها عاقّ ولا قاطع رحم ، ولا شيخ زان ، ولا جارّ ازاره خيلاء ، ولا فتان ، ولا منّان ، ولا جعظري ، قال : قلت : فما الجعظري؟ قال : الذي لا يشبع من الدنيا .
وعنه صلى‌ الله ‌عليه ‌وآله ‌وسلم بسند آخر : ... من بنى بنياناً رياء وسمعة حمله يوم القيامة من الأرض السابعة وهو نار تشتعل ثم يطوّق في عنقه ويلقى في النار ، ... قيل : يا رسول الله كيف يبني رياء وسمعة؟ قال : يبني فضلاً على ما يكفيه استطالة منه على جيرانه ، ومباهاة لإخوانه.
ونهى أن يختال الرجل في مشيه وقال : من لبس ثوباً فاختال فيه خسف الله به من شفير جهنّم ، وكان قرين قارون ، لأنّه أوّل من اختال ، فخسف الله به وبداره الأرض ، ومن اختال فقد نازع الله في جبروته .
وقال صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله ‌وسلم : من بغى على فقير أو تطاول عليه أو استحقره حشره الله يوم القيامة مثل الذّرة في صورة رجل حتى يدخل النار .

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد