علمٌ وفكر

مضمون الدين

 

السيد محمد باقر السيستاني ..

حقيقة الدين: رؤية كونية

إن الدین ـ بالمعنى الذي ننظر إلیه تمھیداً للأبحاث القادمة ـ رؤیة كونیة تبتني على:

أولاً : وجود خالق لھذا الكون وكائناته معني بھا عامة وبالإنسان خاصة؛ من خلال رسالة بعثھا إلیه.

ثانياً : إن الإنسان لیس كائناً مادیاً یفنى بالممات ـ على حد سائر الكائنات الحیة الأخرى ـ، بل ھو كائن حي خالد، وما الممات إلا مرحلة من مراحل وجوده تنفصل فیھا روحه عن بدنه لتعود إلیه في موعد لاحق، وإن سعادته وشقاءه حینذاك ترتبط بأعماله في الحیًاةالدنیا؛فَمن یَعَمْل مْثقَاَل ذ رٍة خْیراً یَرهُ وَمن یَعَمْل مْثقَاَل ذرّة شراً يره.

 

الرؤى المقابلة للرؤية الدينية.

 وفي مقابل ھذه الرؤیة الكونیة رؤیتان أخریان:

الرؤیة الأولى:  تجزم بأن الإنسان متروك لحاله، لا عنایة في نشأته، ولا بقاء له بعد مماته، ولا یتجاوز أثر أعماله  ما یلقاه في ھذه الحیاة من آثار نفسه وسلوكه، أو ما یتلقاه من ردود أفعال الآخرین الإیجابیة والسلبیة، ولا وجود لواقع وراء ذلك، ھذا في شأن الإنسان.

وأما في شأن خالق الوجود والكون والحیاة فھذه الرؤیة بین اتجاھین:

الاتجاه الأول ـ وھو المعروف بالاتجاه الإلحادي ـ: ینكر أصل وجود الخالق، ویزعم أن المادة أزلیة، وقد أدت تقلباتھا إلى وجود ھذا الكون وھذه الحیاة بكائناتھا كلھا في فترة زمنیة طویلة، كما ورد عن بعض الكفار في القرآن الكریم: وما یُھلِكنَا إِلا ٱلدھر.

الاتجاه الثاني ـ وھو المعروف بالاتجاه الربوبي: یعترف بوجود خالق غیر مادي لھذه الحیاة، ولكن یرى أنه لیس معنیاً بالإنسان عنایة توجیه ورعایة وتفاعل وإشفاق، وإنما خلق ھذا الإنسان -على حد ما یُفترض في سائر الكائنات الحیة وغیر الحیة الأخرى ـ على سنن وقوانین تجري علیھا، فھي متروكة لتلك السنن.

وفي تسمیة ھذا الاتجاه بالربوبي مسامحة؛ إذ لیس ھناك عنایة تربویة بحسب ھذا الاتجاه من الخالق تجاه الإنسان، فالأولى أن یسمى بالاتجاه الألوھي ـ مثلاً ـ.

الرؤیة الثانیة: وھي المعروفة باللاأدریّة :

تتبنى التوقف والتردد في أمر حقیقة الحیاة ونشأتھا وموقع الإنسان فیھا، لا تجزم بنفي أو إثبات؛ ولذلك فھي تحتمل أن تصح الرؤیة الدینیة كما تحتمل أن تصح الرؤیة الإلحادیة أو الربوبیة.

وقد یظن في بادئ النظر أن ھذه الرؤیة اللاأدریة من حیث النتیجة العملیة تنتج نتیجة الرؤیة السابقة ــ أي الاتجاه الإلحادي والربوبي ــ؛ لأنه لا یترتب أثر على مجرد الشك والاحتمال.

ولكن سیأتي أن الأمر لیس كذلك، بل ھذه الرؤیة ملزمة بترتیب آثار الرؤیة الدینیة - من الاعتناء باحتمال وجود خالق لھذه الحیاة معني بالإنسان، واحتمال أن تكون أعمال الإنسان مبادئ سعادة، أو شقاء في عالم آخر -؛ لأن أھمیة المحتمل توجب فاعلیة الاحتمال عقلاً وفق معادلة عقلیة بدیھیة یأتي توضیحھا.

 

آثار عميقة فارقة بين هذه الرؤى:

ولھذه الرؤى - الرؤیة الدینیة، والرؤیتین الاُخریین- آثار عمیقة في حیاة الإنسان من حیث توجھاته ودوافعه وتشریعاته.

فالحیاة الإنسانیة وفق الرؤیة الدینیة حیاة ھادفة، خیّر فیھا الإنسان بین طریقین: طریق المعرفة والفضیلة، وطریق الجھل والرذیلة، ویكون لأعمال الإنسان بعداً عمیقاً في بناء ذاته وتكوینه على وجه سلیم، فیتبوأ كل امرئ محله غداً، ولكل نفس ما كسبت وعلیھا ما اكتسبت، فمن عمل شراً لم یسلم من أثره ومن عمل خیراً لم یعدم أثره، ومن عانى عناء فُرض علیه احتسب له ذلك، ویكون الله سبحانه ظھیراً للإنسان إن آمن به وصدّقه وتولاه، والمرء راحل إلى حیاة أخرى؛ فھي وسیلة ولیست غایة.

وأما على الرؤیة الأخرى فإن ھذه الحیاة ھي الغایة، والأمر فیھا أشبه بالمقامرة؛ فمن استطاع الوصول إلى الملذات ـ ولو بالجنایة على الآخرین فیما لو تمكن من الإفلات من العقوبة الدنیویة ـ سعد فیھا و من غُلب فیھا وابتلي شقي بھا.. ویرى بعض أصحاب ھذه الرؤیة أن الإنسان لیس مختارا في تصرفاته، بل یساق إلیھا سوقاً أسوة بسائر الحیوانات.

 

الرؤية المعرفية للدين.

من الضروري تفصیل معالم الرؤیة الدینیة وأھم خطوطھا العریضة؛ لیتسنى البناء علیھا ـ في الأبحاث المقبلة ـ في تحدید الاھتمام اللائق بھا، والتثبت المناسب منھا.

 ومن شأن ھذا التوضیح أن یضع كل شيء موضعه ـ فیمیز القواعد والأصول الأساسیة والقطعیة للدین عما یقع في مستوى التفصیل أو التطبیق أو الاجتھاد -؛ حتّى یتبیّن الدین على وجه واضح وناصع ولا یضیع بین التفاصیل والتطبیقات والاجتھادات. كما ولا بد من فھم حقیقة الدین ومضمونه ولو بعنوان النظریة التي لا بد من نفیھا أو إثباتھا.

إن للرؤیة الدینیة جوانب ثلاث: معرفیة وتكوینیة وتشریعیة.

 

الجانب المعرفي للرؤیة الدینیة :

إن الرؤیة المعرفیة الدینیة تذعن بالإدراك العقلي للإنسان في ثوابته ومساحاته التي یكون حكم العقل فیھا واضحاً لا لبس فیه، مما یمكن أن یدركه أي إنسان سلیم الفكر.

ولكنھا ترى رغم ذلك عدم استغناء الإنسان في معرفته الكونیة عن إسعاف معرفي؛ لسببین:

أحدھما: أن الإنسان وإن كان یمكنه - من خلال بعض مشاعره النفسیة وتأمله في عالم المادة وروائعھا ونظمھا - استكشاف أثر من كائن غیبي صانع للعالم، لكن عموم الناس لا تكتشف ذلك إلا بصعوبة، أو بشكل غیر جازم، أو على وجه غامض یختلط بالأوھام والخرافات كما وقع في عبادة الكواكب والنجوم والأشخاص والأصنام.

 والآخر: إن بعض الحقائق الخطیرة والمھمة یتعذر الانتقال إلیھا أصلاً، كما ھو الحال

في: النشأة الأخرى للكون، وخلود الإنسان وعوده إلى الحیاة.

والإسعاف المعرفي للإنسان على أنحاء أربعة:

الأول: تأكید ما یجده الإنسان بعقله في مقابل الخرافات والأوھام، مثل: ما ورد في كتاب الله من التأكید على قضاء العقل بعدم صلاحیة الأصنام والكواكب والأشخاص للألوھیة..

فجاء في شأن الأصنام التنبیه على أنھا صنیعة ید الإنسان، قال تعالى: قَال أَتَعبُدون ما تَنحتُون والله خلَقَكم وما تَعملُون.

وورد في شأن تأليه عیسى بن مریم عليهما السلام قوله تعاُلى: ما المسیح ابن مریم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صدّیقة كانا یَأكلان الطعاَم اْنظُر كْیف نُبَین لَھُم اْلآیَات ثُم اْنظُر أَنى یُؤفَكوَن.

إشارة إلى أن من یكون بھذه الصفة لا یحتمل - بإدراك عقلي واضح  - أن یكون إلھاً.

وكذا ما ورد في شأن الكواكب من التنبیه على أنھا كائنات مسخّرة تظھر تارةً وتأفل تارة أخرى؛ فلا یعقل أن تكون ھي الخالق للكون والكائنات والمدبر لھا، قال تعالى: فَلَما جن علَيه اللیل رأَى كوكبًا قال ھذا ربي فلما أفل قال لا أحب الآفلین فلما رأى القمر بازغاً قال ھَذا ربي فَلَما أَفل قَاَل لَئِن لم یَھِدنِي ربي لأَكوننّ من القَوم الضالین فَلَما رأَى الشْمس بَازغةً قَاَل ھَذا ربي ھَذا أَكبَر فَلَما أَفَلَت قَاَل یَا قَوم إِني بَريءٌ مما تُشركون.

الثاني: تنبیه الإنسان وإیقاظه على ما یجده ویشھده من الأمور، ولكن لا یعیه حق وعیه ولا ینتقل لدلالته وغایته، فإذا نُبّه علیه استیقظ من غفلته وانتقل ذھنه لمدلولاته، ولربما تعجب من نفسه؛ كیف رآه ولم یلتفت إلى دلالته؟

ومن ذلك ما ورد في القرآن الكریم من التنبيه على دلالة الخلق ونظام الكون على الخالق. فھذا الشيء إذا وعاه الإنسان بنفسه لم یحتج إلى إسعاف، ولكنه قد یغفل عنه ولا ینتقل إلى دلالته، فیحتاج إلى من ینبهه علیه.

والسر في غفلة الإنسان عن مدلولات بعض الأمور ـ على ما سیأتي ذكره في قواعد التثبت الإدراكي في حلقات قادمة ـ عوامل نفسیة من أھمھا انطفاء الشحنة الدلالیة للشيء على ما وراءه بسبب الاعتیاد علیه؛ فإن الإنسان إذا اعتاد شیئاً غفل عن دلالته، على ما سیأتي توضیحه.

الثالث: إعلام الإنسان بما یجھله مما یحتاج إلیه من شؤون ما وراء الطبیعة، مثل الدار الآخرة؛ إذ من الصعوبة أن ینتقل الإنسان بوضوح وجزم إلى وجود المعاد والنشأة الأخرى لولا إخبار الوحي بذلك.

 ولربما كان في مشاعر الإنسان ما قد یكون ممهداً لكي یقع مثل ھذا النبأ موقع القبول في نفسه، رغم بُعده عن مداركه، ومن تلك المشاعر: حبّه للبقاء ورغبته في الخلود، إلا أن من الصعوبة على المرء أن ینضج مثل ھذا ویبلوره إلى درجة الإدراك التام والواضح.

الرابع: إعلام الإنسان بعدم استطاعته التوغل بفكره في أمور ما وراء الطبیعة؛ لعدم وجود أدوات واضحة لديه في شأنھا، وعدم صحة مقایسة ذلك العالم بعالم المادة.

وإذا ما أمعن الإنسان في التفكیر حول ما وراء الطبیعة والتنظیر فیه والبناء علیه لم ینتهِ إلى نتیجة واضحة، بل ینتھي إلى الخرافات الباطلة، كإیمان الیونانیین بوجودعقول عشرة متوسطة بین الخالق وعالم المادة، واعتقاد بعضھم بوجود كائن أعلى لكل نوع من أنواع الكائنات یدبّر أحوالھا سموھا بأرباب الأنواع، أو اعتقاد العرب أن الملائكة بنات الله، وما أشبه ذلك.

وبذلك یتّضح أن: الرؤیة المعرفیة الدینیة تحترم عقل الإنسان في ثوابته ومحكماته التي تكون قریبة المأخذ من مداركه، إلا أن إدراك الإنسان لا یفي ـ بنظر الدین ـ لكشف المشھد الكامل للكون وأبعاده وما یتضمنه من حقائق خطیرة، خلافاً لما تعتقده بعض الاتجاھات الفكریة الفلسفیة في أوساط المسلمین ممن یرون أن بإمكان الإنسان أن یصل إلى تمام مساحة الكون وخبایاه بالتأمل والبحث.

وما تطرح من الاستدلالات في ھذا الصدد - مما یُظن أنھا براھین صائبة - ممن یدعي قدرته على إدراك كل شيء حتى ما لم یكن قریباً لإدراك الإنسان في مأخذه. لا تؤدي إلى نتائج صحیحة، وھي في واقعھا استحسانات واستبعادات ذھنیة ناشئة من میول أو غرابة، تُصاغ بصورة فنیة؛ فتُتُلقّى برھاناً.

وتفریعاً على ما تقدم یمكن القول: إن الرؤیة المعرفیة الدینیة تعتمد على دعامتین: التعقّل والتعبّد.

أما التعقّل فیكون في مساحة الإدراك العقلي الواضح، وأما التعبّد فھو فیما وراء المدركات الواضحة؛ من القضایا التي تقع في المساحة الرمادیة غیر الواضحة عند العقل الإنساني.

فمن توسع في التعقل في غیر المساحة التي یكون من شأن العقل إدراكھا وقع في الوھم والاشتباه، ومن توسع في التعبد إلى المساحة التي من شأن العقل إدراكھا وقع في الخرافة، ومن أخذ بكلٍّ في موضعه وأحلّه محلّه فقد أصاب.

ولیس في الاعتماد على التعبد في مجالاته تنقیص من شأن الإدراك الإنساني، بل ھو تعامل واقعي ینبه الإنسان إلى جھات القصور في أدواته الإدراكیة.

 

وإلى ھذا المبدأ تشیر نصوص دینیة عدیدة، منھا:

ما في سورة آل عمران من تقسیم الآیات إلى محكمة ومتشابھة: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ .

والمراد بالمحكمات ھي الآیات الناصعة التي لا مجال للشبھة في حقانیتھا بوجوه من الاستبعاد الأولي، والمراد بالمتشابھات الآیات التي یوجد فیھا مجال للاستبعاد، مثل: الإنباء بالبعث والقیامة، حیث كان یستبعد على أساس: وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا.

والمراد بالتأویل ھو المخبَر به الذي یتبیّن به صدق الأخبار كما قال تعالى: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ.

 

طریقة الإسعاف الإلھي للخلق:

لقد اصطفى الله تعالى لتبلیغ رسالته إلى خلقه أشخاصاً من الناس أنفسھم ممن اتصف بسلامة العقل والإدراك والاعتدال في التصرفات وصفاء الفطرة ومحبة الحقیقة والفضیلة والثبات على التحدیات والرأفة بالناس، ولم یعھد منھم ما یخدش السلامة النفسیة ولا الطموح الاجتماعي ولا الدھاء والمكر والحیلة والتلبیس.

فأوحى إلیھم وحیاً بیّناً لا یشبه في خصائصه وصفاته ـ في كمه وكیفه - بما یمكن أن یتخیّله الإنسان على سبیل الھلاوس العابرة، أو من جھة عدم السلامة النفسیة.

ثم دعمه تعالى بخوارق تقتضي - في كمھا وكیفھا - قدرات فوق بشریة، لم یعھد الإنسان مثلھا في التصرفات التي رآھا الناس من السحرة والكھان وأمثالھم، فھي تتفاوت عن ذلك كله تفاوتاً نوعیاً.

على أن من اختارھم للرسالة كانوا أشخاصاً معروفین في المجتمع، علم الناس سلوكیّاتھم وقدراتھم واتجاھاتھم، وقد لبثوا بین ظھرانیّھم دھراً فلم یشھد علیھم أثر التوجه إلى الادعاءات الشاذة والتصرفات النادرة.

وقد ظھرت حجتھم في مجتمعات عرفت أھل الادعاءات الباطلة فلم یكن لينطلي علیھم ما یكون من قبیلھا؛ وذلك لكي تقوم الحجة البالغة على الخلق بصدق مدعي الرسالة.

وإذا انقضت فترة توجب انطماس وضوح الرسالة تدریجاً بعث الله سبحانه رسولاً آخر لإقامة الحجة ورفع اللبس والشبھة، فكان آخر رسله النبي محمد صلى الله عليه وآله الذي یسر سبحانه حفظ رسالته في كتابه الكریم ـ الذي أنزله من خلاله رسالة لجمیع خلقه ـ، حفظاً تاریخیاً بیّناً لا لبس فیه.

وقد اختار سبحانه لإرسال رسله المجتمعات التي كانت أكثر اشتمالاً على الغلو والاستكبار والظلم؛ لتصل إلى سائر المجتمعات الأخرى وفق السنن العامة.

وبذلك كان ھؤلاء الرسل الوسطاء بین الخالق والإنسان؛ یوضحون له معالم الحیاة وآفاقھا من لدن خالقھا عبر توجیهه إلى مسار المعرفة والتعقّل والحكمة والعدل والزكاة كما قال عز من قائل:

لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ.

هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ .