قراءة في كتاب

الشعائر الحسينية المنصوصة بين التوثيق والتطبيق

 

ربى حسين ..

يُعتبر كتاب "الشعائر الحسينية المنصوصة" للسيد محمد ترحيني جامعًا للشعائر الحسينية المثبتة ومفصلًا لحيثيّاتها، عارضًا لبعض فتاوى الفقهاء والمراجع العظام في الشعائر الحسينيّة المختلفة. مع الإشارة إلى أن الكتاب فصل من فصول كتاب النّهضة الحسنيّة، وقد جمعه السّيد في هذا الكتاب لتسهيل انتفاع العموم به.

 ورد في سورة الحج "ذَٰلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ" فكيف بالشعائر الحسينيّة التي يتّخذها الشّيعة زادًا لتقواهم وخيرًا لدنياهم وآخرتهم.

إن إحياء الشعائر الحسينية  تمثل الطريق الناجع لبناء الاستقرار الأخلاقي والنفسي للشخصية الإنسانية، كما أنها تشكل حصناً منيعاً للحفاظ على الهوية الإسلامية أمام الغزو الثقافي وعواصف العولمة ورياحها العاتية.

 

الشعائر الحسنيّة العاشورائية

 استهل السّيد كتابه بذكر الشّعائر الحسينيّة وتفصيل كلّ منها مع النّصوص الصحيحة المسندة إلى آل البيت(ع). فما إن يهل شهر محرم الحرام حتى يبدأ إحياء الشعائر بمظاهر الحزن وإقامة مجالس العزاء في العشر الأوائل منه، فإذا كان يوم العاشر كان يوم مصيبة وحزن وبكاء. ويأتي البكاء على مصاب الإمام الحسين(ع) في مستهل الشّعائر التي توجب غفران الذنوب ودخول الجنّة والعتق من النار، فعن أبي عبد الله(ع) "من ذكرنا عنده ففاضت عيناه حرّم الله وجهه على النّار" (وسائل الشّيعة). كما ورد أن هذا البكاء يسعد قلب فاطمة الزّهراء"ع" فعنه أيضًا "يا أبا بصير، إذا نظرت الى ولدِ الحسين أتاني ما لا أملكه بما أُوتي إلى أبيهم وإليهم".

أمّا الندب أي البكاء مع ذكر محاسن الميّت فقد أخذ الكثير من الأخذ والرّد لكن ما رواه الإمام علي (ع) عن فاطمة(ع) من ندبها على سيّد البشر يعتبر حجّة على من تبعهم. كما أن التّباكي أيضًا من الشّعائر الحسينية المنصوصة فقد ورد في الوسائل "ومن أنشد في الحسين شعرًا فتباكى فله الجنّة". والجزع وهو أحد الشّعائر الحسينيّة وإن اختلف فيها الفقهاء إن لجوازه أو نفيه من مبدأ إيذاء النّفس.

 

ذكر الحسين(ع) ذخرٌ للآخرة

ويصل السّيد في حديثه إلى الشعائر التي لا تختصّ فقط في الأيام العاشورائيّة، وقد أورد ذلك في خبر صحيح ابن شبيب عن الإمام الرّضا "ع" كالدّعاء عند ذكر الحسين بــ "يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزَا عظيمًا" فكأن ثوابه كمن قُتل مع الحسين في كربلاء. وأيضًا لعن قتلة الحسين فقد ورد "يا ابن شبيب، إن سرّك أن تسكن الجنّة مع النّبي(ص) وآله فالعن قتلة الحسين ". وقد ورد أيضَا من الشّعائر المنصوصة لعن قتلة الحسين بعد شرب الماء خاصّةً، فعن داوود الرّقي عن أبي عبد اللّه "ع": "فما من عبدٍ شرب الماء فذكر الحسين(ع) ولعن قاتله الّا كتب الله له مئة ألف حسنة".

 

زيارة الحسين"ع" وفضلها العظيم

وقد أتى السّيد على ذكر أهميّة زيارة الحسين(ع) في كربلاء والتي هي من علامات المؤمن الذي لم يرضَ أن يحرم حرمانًا كثيرًا أو يعتبر منتقص الإيمان والدّين، فعن سيف بن عميرة عن أبي عبد الله(ع): من لم يأت قبر الحسين(ع) وهو يزعم أنّ لنا شيعة حتّى يموت، فليس لنا شيعة. كما أن الدّعاء تحت قبّته مستجاب عاجلًا أم آجلًا. كما وتستحب زيارته مشيًا، كما في خبر أبي الصّامت(سمعت أبا عبد الله(ع) وهو يقول: من أتى قبر الحسين(ع) ماشيًا كتب الله له بكلّ خطوة ألف حسنة، ومحى عنه ألف سيّئة، ورفع له ألف درجة) الوسائل. وقد وردت أوقات استحباب زيارته كيوم العاشر من محرم، زيارة الاربعين، الأوّل من رجب، النّصف من شعبان، ليالي القدر، ليلة  عرفة، ويومها.

 

حرمه الشّريف أمان الدّنيا والآخرة

قال المفيد (لـمّا سار أبو عبد الله(ع) من المدينة قال لهم:.. ومن ذا يكون ساكن حفرتي بكربلاء؟ وقد اختارها اللّه تعالى لي يوم دحا الأرض، وجعلها معقلًا لشيعتنا، وتكون أمانًا لهم في الدّنيا والآخرة). فحرمُ الإمام عليه السّلام حرمٌ مبارك يتم المسلم صلاته فيه، ويستحب المبيت فيه وقد أخبر هشام بن سالم عن أبي عبد الله (ع) فقال: فما لمن أقام عنده؟ قال : كل يوم بألف شهر) الوسائل.

كما ورد أن تربة حرمه فيها شفاء من كلّ داء، وأمنٌ من كلّ خوف. ويستحب وضع التّربة الحسينيّة مع الميّت في الحنوط والكفن والقبر. فعن الصادق (ع) : ( السجود على طين قبر الحسين (ع) ينوّر إلى الأرضين السبعة، ومن كانت معه سبحة من طين قبر الحسين (ع) كتب مسبّحاً وإن لم يسبح بها ).

للشعر في الحسين (ع) نصيبه من الثّواب والأجر

ويعتبر السّيد أن من الشّعائر الحسينيّة التي حفظت الإرث الحسيني أيضًا إنشاء الشّعر في أبي عبد الله الحسين، ففي خبر الحسن بن الجهم (سمعت الرّضا(ع) يقول: ما قال فينا مؤمن شعرًا يمدحنا به الّا بنى الله له في الجنّة أوسع من الدّنيا سبع مرّات، يزوره فيها كل ملك مقرّب وكلّ نبي مرسل).

 

ولإنشاد الشّعر في حبّ الحسين أجره أيضًا وقد كان الشّيعة يتبارون في إنشاد وإلقاء الشّعر في حبّه، وفي خبر صالح بن عقبة عن أبي عبد الله (ع) قال: من أنشد في الحسين بيتًا من الشّعر وأبكى عشرة فله ولهم الجنّة. وفي مناقب ابن شهرشوب:

من سرنا نال منا السرور * ومن ساءنا ساء ميلاده

ومن كان غاصبنا حقنا * فيوم القيامة ميعاده 

 

تنبيه لا بدّ منه

وفي النّهاية نبّه السّيد الى نقطة جوهرّية في ما خصّ إتمام المستحبّات وترك الواجبات المترتّبة على الإنسان المسلم. فهذا ربّ العباد جلّ وعلا يتقرّب النّاس إليه بحبّ أوليائه، وأحبّ الله من أحب الحسين، سيد الشّهداء وشباب أهل الجنّة الّذي بذل نفسه وعائلته وماله في سبيل إحياء هذا الدّين وصونه، وليس بالغريب هذا الثّواب والفضل العظيمين من الله على إحياء أمره واتّباع شعائره المنصوصة ﴿ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾. لكن يجب الالتفات إلى عدم وجود مانع أو ذنب يمنع من دخول الجنّة أو كتابة هذا الثّواب له، فبعض الذّنوب موجب لدخول النّار. ولا يجوز الأخذ بأخبار ثواب الشّعائر بمفردها، وترك باقي التّكاليف، ففي ذلك مسخٌ للشريعة.

ويبقى الأمل أن تبقى حرارة حبّ الحسين "ع" في قلوب المؤمنين والّتي لن تبرد أبدًا الرّادع لهم لاجتناب المعاصي وإقامة الشّعائر الحسينيّة المخلصة الحقّة، لإقامة الدّين الذي أراده سيّد الشّهداء(ع) في ظلّ كل ما يتربّص الإسلام ممن يريدون طمس هويّته السّمحة ووسمه بالإرهاب .

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة