قرآنيات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
عن الكاتب :
أحد مراجع التقليد الشيعة في إيران

الرّسول (ص).. الأمي


قال تعالى: "وَ ما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَ لا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتابَ الْمُبْطِلُونَ"


صحيح أن القراءة والكتابة تعدّان - لكل إنسان - كمالا.. إلاّ أنّه يتفق أحياناً - وفي ظروف معينة - أن يكون من الكمال في عدم القراءة والكتابة... ويصدق هذا الموضوع في شأن الأنبياء، وخاصة في نبوّة خاتم الأنبياء "محمّد"(ص).

إذ يمكن أن يوجد عالم قدير وفيلسوف مطّلع، فيدّعي النبوّة ويظهر كتاباً عنده على أنّه من السماء، ففي مثل هذه الظروف قد تثار الشكوك والإحتمالات أو الوساوس في أنّ هذا الكتاب - أو هذا الدين - هو من عنده لا من السماء!.

إلاّ أنّنا إذا رأينا إنساناً ينهض من بين أُمّة متخلفة، ولم يتعلم على يد أي أستاذ، ولم يقرأ كتاباً ولم يكتب ورقةً - فيأتي بكتاب عظيم عظمة عالم الوجود، بمحتوى عال جداً... فهنا يمكن معرفة أن هذا الكتاب ليس من نسج فكره وعقله، بل هو وحي السماء وتعليم إلهي، ويدرك هذا بصورة جيدة!.

كما أنّ هناك تأكيداً على أُمية النّبي(ص) في آيات القرآن الأُخرى، وكما أشرنا آنفاً في الآية (157) من سورة الأعراف إلى أن هناك ثلاثة تفاسير لمعنى "الأميّ"، وأوضحها وأحسنها هو أنّه من لا يقرأ ولا يكتب.

ولم يكن في محيط الحجاز وبيئته - أساساً - درس ليقرأ النّبي(ص)، ولا معلم ليحضر عنده ويستفيد منه، وقلنا: إنّ عدد المثقفين الذين كانوا يقرأون ويكتبون في مكّة لم يتجاوز سبعة عشر نفراً فحسب، ويقال أن من النساء كانت امرأة واحدة تجيد القراءة والكتابة.

وطبيعي في مثل هذا المحيط الذي تندر فيه أدنى مرحلة للعلم وهي القراءة والكتابة، لا يوجد شخص يعرف القراءة والكتابة ولا يعرف عنه الناس شيئاً... وإذا ظهر مدع وقال - بضرس قاطع - إنّني لم أقرأ ولم أكتب، لم ينكر عليه أحد دعاءه، فيكون عدم الإنكار دليلا جليّاً على صدق مدّعاه، وعلى كل حال فإنّ هذه الكيفية الخاصة للنّبي(ص) التي نوهت عنها الآيات المتقدمة، إنّما هي لإكمال إعجاز القرآن، ولقطع السبيل أمام حجج المتذرعين بالأباطيل الواهية، وفيها تأثير بالغ ونافع جدّاً.

أجل، إنّه عالم منقطع النظير، لكنّه لم يدرس في مدرسة، بل تعلّم من وحي السماء!.

تبقى هناك ذريعة واحدة يحتج بها المتذرعون، وهي أنّ النّبي سافر إلى الشام مرّة أو مرتين "لفترة وجيزة ولغرض التجارة".. قبل نبوته، فيقولون: ربّما اتصل في بعض هاتين السفرتين بعلماء أهل الكتاب وتعلّم منهم هذه المسائل!.

والدليل على ضعف هذا الإدّعاء منطو في نفسه، فكيف يمكن أن يسمع إنسان جميع هذه الدروس وتواريخ الأنبياء والأحكام والمعارف الجليلة، وهو لم يمض إلى مدرسة ولم يقرأ شيئاً، فيحفظ كل ذلك بهذه السرعة، ويودعه في ذهنه، ثمّ يبيّنه ويفصله خلال مدّة ثلاث وعشرين سنة؟! وأن يبدي موقفاً مناسباً للحوادث غير المتوقعة والتي لم يسبق لها مثيل.

وهذا يشبه تماماً أن نقول مثلا: إنّ فلاناً تعلم قائمة العلوم والفنون الطبية كلّها في عدّة أيّام، وأنّه كان مشرفاً على معالجة المرضى في المستشفى الفلاني، ومستشاراً للأطباء، هذا كلام أقرب إلى المزاح والهزل منه إلى الجد.

وينبغي الإلتفات إلى هذه المسألة، هي أن النّبي(ص) بعد أن بلغ مرحلة النبوّة، يحتمل أن يكون قادراً على القراءة والكتابة، حينئذ وذلك بواسطة التعليم الالهي وإن لم يرد في التواريخ أنّه استفاد من هذه الطريقة! ولم يقرأ شيئاً بنفسه أو يكتب شيئاً بيده، ولعل النّبي(ص) تجنب كل ذلك في طول عمره لئلا يتذرع المتذرعون فيثيروا الشكوك بنبوّته! الشيء الوحيد الذي جاء في كتب التأريخ أن النّبي (ص)كتبه بنفسه، هو صلح الحديبية الذي جاء في مسند أحمد أن "النّبي أمسك القلم بيده وكتب معاهدة الصلح".

إلاّ أنّ جماعة من علماء الإسلام أنكروا هذا الحديث، وقالوا: إنّ هذا مخالف لصريح الآيات، وإن اعتقد البعض بأنّه ليس في الآيات صراحة، لأنّ الآيات ناظرة لحال النّبي قبل بعثته، فما يمنع أن يكتب النّبي على وجه الإستثناء بعد أن نال مقام النبوّة.. في مورد واحد.. ويكون ذلك بنفسه معجزة أُخرى من معاجزه!.

إلاّ أن الإعتماد في مثل هذه المسألة على خبر الواحد مجانب للحزم والأحتياط، ومخالف لما ثبتت في علم الأصول حتى لو قلنا أنّ هذا الخبر لا اشكال فيه.


مقتبس من تفسير الأمثل.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة