صدى القوافي

شعر الإمام الرضا (عليه السلام)

 

الشيخ عباس القمي

روى الشيخ الصدوق بسند معتبر عن الريان بن الصلت أنّه قال: أنشدني الرضا (عليه السّلام) لعبد المطلب:

يعيب الناس كلّهم زمانا           

وما لزماننا عيب سوانا

نعيب زماننا والعيب فينا              

ولو نطق الزمان بنا هجانا

وإنّ الذئب يترك لحم ذئب‏             

ويأكل بعضنا بعضا عيانا

لبسنا للخداع مسوك طيب‏                 

فويل للغريب إذا أتانا

وروي أنّ المأمون كتب إلى الرضا (عليه السّلام) فقال: عظني، فكتب (عليه السّلام):

إنّك في دنيا لها مدّة                       

يقبل فيها عمل العامل‏

أما ترى الموت محيطًا بها                

يسلب منها أمل الآمل‏

تعجّل الذنب بما تشتهي‏          

وتأمل التوبة من قابل‏

والموت يأت أهله بغتة           

ما ذاك فعل الحازم العاقل‏

ونقل الشيخ الصدوق عن إبراهيم بن العباس أنّ الإمام الرضا (عليه السّلام) كثيرًا ما كان يتمثّل بهذا البيت:

إذا كنت في خير فلا تغترر به‏             

ولكن قل اللهم سلّم وتمّم‏

روى محمد بن يحيى بن أبي عباد عن عمّه أنّه قال: سمعت الرضا (عليه السّلام) يومًا ينشد شعرًا وقليلًا ما كان ينشد شعرًا:

كلّنا نأمل مدًّا في الأجل‏           

والمنايا هنّ آفات الأمل‏

لا تغرّنّك أباطيل المنى‏            

والزم القصد ودع عنك العلل‏

إنمّا الدنيا كظلّ زائل‏                      

حلّ فيه راكب ثم رحل‏

فقلت: لمن هذا أعزّ اللّه الأمير؟ فقال: لعراقي لكم، قلت: أنشدنيه أبو العتاهية لنفسه، فقال: هات اسمه ودع عنك هذا، إنّ اللّه سبحانه و تعالى يقول: وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ (الحجرات) ولعلّ الرجل يكره هذا .

يقول المؤلف: إنّ أبا العتاهيّة هو أبو إسحاق إسماعيل بن القاسم الشاعر، وحيد عصره وفريد دهره في طرافة الطبع ورشاقة النظم سيّما شعره في الزهد وذمّ الدنيا، وكان في طبقة بشار وأبي نواس، وولد سنة 130هـ في عين التمر قرب المدينة المنورة وسكن بغداد، قيل إن نظم الشعر كان يسيرًا عليه حتى أنّه قال: لو أردت أن أجعل كلامي كلّه شعرًا لفعلت، ومن أشعاره:

ألا إننا كلّنا بائد                   

وأيّ بني آدم خالد

وبدؤهم كان من ربهم‏           

وكلّ إلى ربّه عائد

فيا عجبًا كيف يعصى الإله‏                

أم كيف يجحده الجاحد

وفي كلّ شي‏ء له آية            

تدلّ على أنّه واحد

وله أيضًا:

إذ المرء لم يعتق من المال نفسه‏                  

تملّكه المال الذي هو مالكه‏

ألا إنمّا مالي الذي أنا منفق‏                        

وليس لي المال الذي أنا تاركه‏

إذا كنت ذا مال فبادر به الذي‏             

يحقّ وإلّا استهلكته مهالكه‏

توفي سنة 211هـ ببغداد وأوصى أن يكتب على قبره:

إنّ عيشًا يكون آخره الموت‏              

لعيش معجّل التنغيص‏

وعتاهيّة على وزن كراهيّة بمعنى قلّة العقل والضلال والحمق، و أيضًا بمعنى ضلال الناس وحمقهم، ولعلّ هذا المطلب هو السبب لقول الإمام (عليه السّلام) : هات اسمه ودع عنك هذا، فإنّ الإمام (عليه السّلام) يكره ذلك .

واعلم أنّ أحد أدباء أهل السنة أورد قصيدة عن الإمام الرضا (عليه السّلام) في كتابه، تشتمل على حكم ومواعظ كثيرة، وقد ذكرتها في كتابي (نفثة المصدور)، وأذكر هنا شطرًا منها تيمنًا وتبركًا، قال (عليه السّلام):

ارغب لمولاك وكن راشدًا                

واعلم بأنّ العزّ في خدمته‏

واتل كتاب اللّه تهدى به‏          

واتبع الشرع على سنّته‏

لا تحترص فالحرص يزري الفتى‏

ويذهب الرونق من بهجته‏

لسانك احفظه وصن نطقه‏                

واحذر على نفسك من عثرته‏

فالصمت زين ووقار وقد                

يؤتى على الإنسان من لفظته‏

من جعل الخمر شفاء له‏         

فلا شفاه اللّه من علّته‏

لا تصحب النذل فتردى به‏                 

لا خير في النذل ولا صحبته‏

لا تطلب الإحسان من غادر                

 يروغ كالثعلب في روغته‏

وإن تزوّجت فكن حاذقًا         

واسأل عن الغصن وعن منبته‏

يا حافر الحفرة اقصر فكم‏                 

من حافر يصرع في حفرته‏

يا ظالما قد غرّه ظلمه‏            

أيّ عزيز دام في عزّته‏

فائدة : روى المحقق الكاشاني (رحمه اللّه) في الوافي عن الكافي والتهذيب عن الإمام الرضا (عليه السّلام) أنّه قال: قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله) : من سمعتموه ينشد الشعر في المساجد، فقولوا: فضّ اللّه فاك، إنمّا نصبت المساجد للقرآن .

قال المحقق: إنشاد الشعر قراءته، وأراد بالشعر ما فيه تخييل وتمويه وتغزّل وتعشّق لا الكلام الموزون، إذ من الموزون ما يكون حكمة وموعظة ومناجاة مع اللّه سبحانه، وقد ورد عن أبي عبد اللّه (عليه السّلام) وقد سئل عن إنشاد الشعر في الطواف، فقال: ما لا بأس به فلا بأس به‏ .

يقول المؤلف: إنّ الأشعار التي تشتمل على الحكم والمواعظ تقدم ذكرها وأمّا أشعار المناجاة فهي كثيرة، منها ما روي عن الإمام زين العابدين (عليه السّلام) ؛ قال طاوس اليماني: رأيت في جوف الليل رجلًا آخذًا أستار الكعبة قائلًا:

ألا أيها المأمول في كلّ حاجتي‏           

شكوت إليك الضرّ فاسمع شكايتي‏

ألا يا رجائي أنت كاشف كربتي‏           

فهب لي ذنوبي كلّها واقض حاجتي‏

فزادي قليل ما أراه مبلّغًا                          

أللزاد أبكي أم لبعد مسافتي‏

أتيت بأعمال قباح رديّة                  

فما في الورى خلق جنا كجنايتي‏

أتحرقني بالنار يا غاية المنى‏              

فأين رجائي منك أين مخافتي‏

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة