لقاءات

خديجة بهبهاني: القصة تشبع حاجة الطفل للمعرفة واكتشاف العالم من حوله

 

نسرين نجم .. 

يُعد أدب الأطفال من الوسائل المعرفية الهامة التي تعمل على تكوين وصناعة شخصية الطفل وتعريفه على ما يحيطه تبعًا لما يتناسب مع فكره ووعيه وإدراكه، وبالطبع هي مهمة ليست بسهلة لمن يكتب للأطفال بل هي مسؤولية كبيرة ملقاة على عاتقهم. حول أدب الأطفال وأهميته في تحصيل المعرفة والثقافة الدينية كان لنا هذا الحوار مع الكاتبة الكويتية خديجة بهبهاني:


* أدب الأطفال واكتساب المعرفة:
لم تلجأ إلى أدب الأطفال حبًّا بالشهرة أو طمعًا بجاه أو مال بل اختارت هذا العالم من باب المسؤولية تجاه الأطفال: "في الحقيقة بدأ اهتمامي بأدب الأطفال مع تطوعي في مركز الإمام الجواد عليه السلام التربوي كمعلمة للأطفال، ومن واقع عملي شعرت بالحاجة إلى نوع من التجديد لما يتم تقديمه للأطفال، فالطفل له أدواته المعرفية الخاصة التي تجعل من عملية التربية والتعليم ليست سهلة كونها تتطلب جهودًا لاختيار الأساليب التي تتواءم مع أدواته المعرفية، بالإضافة إلى طبيعة المفاهيم التي يمكن أن يستوعبها الطفل." سيما أنه :"من خلال حضوري لبعض الورش والندوات التي تتعلق بأدب الطفل أستطيع أن أقول إنه مقارنة مع العالم الغربي فإن أدب الأطفال لا يزال يحتاج إلى كثير من التطوير والتجديد والوعي بضرورة مواءمة المفاهيم والأساليب المختارة في أدب الطفل مع الخصائص السيكولوجية والمعرفية لعمر الطفولة." وترى بأنه: "مقارنة مع أدب الأطفال في السنوات السابقة، في نفس العالم العربي والإسلامي فهناك ازدياد واضح في الوعي والاهتمام والتجديد". 

 تختلف بالطبع شروط الكتابة للكبار عن الصغار فلكل منهما أسلوب خاص بالكتابة ورسائل مختلفة. عن أجواء هذه الشروط والمعايير التي يجب أن تتوفر في الكاتب تحدثنا الكاتبة خديجة بهبهاني: "الكتابة للصغار تتطلب عدة أمور، منها:

-  وجود خلفية ولو بسيطة لدى الكاتب عن الخصائص المعرفية والسيكولوجية لدى الطفل، فمرحلة الطفولة تمر بعدة مراحل من التطور المعرفي والسيكولوجي، بالتالي ما يكون مناسبًا لطفل عمره 4 سنوات قد لا يكون مناسبًا لطفل عمره 13 سنة مثلًا، فالمراحل الأولى تجذبها الصور والرسومات المستوحاة من محيط الطفل والطبيعة والحيوانات ولا تتطلب القصة الكثير من النصوص المكتوبة والأحداث المعقدة، بينما المراحل المتقدمة من الطفولة تجذبها قصص الخيال والمغامرات والأحداث الغامضة. وهذا الأمر ممكن أن يكتسبه الكاتب من خلال اطلاعه على ما توصل إليه علم نفس الطفل.

- ضرورة أن يحتك الكاتب مع الأطفال ويبادلهم الأحاديث ليتلمس بنفسه أساليبهم في اكتساب المعرفة وما يثير عقولهم الصغيرة.

- الحس الطفولي عند الكاتب، وهي من الخصائص الذاتية التي تتوفر عند البعض دون البعض الآخر، وهو عامل أساسي يجعل  الكاتب أكثر قربًا من الأطفال وأكثر إدراكًا لما يجذبهم، بالتالي أكثر قدرة على الكتابة لهم."

وعن كيفية اختيار مضمون القصة حتى إيصال الرسائل- القيم. تقول بهبهاني: "سأتكلم عن تجربتي في مركز الإمام الجواد عليه السلام، فكوننا مركزًا إسلاميًّا تربويًّا اخترنا أن تكون مضامين القصص تصب في الجوانب العقائدية والأخلاقية وتطرقنا لبعض المواضيع الفقهية للأطفال من عمر 8 سنوات وأكثر.
وكان التحدي في كيفية تبسيط هذه المفاهيم ووضعها في قالب طفولي جاذب وغير معقد. فإذا أتينا إلى العقائد، وإلى أصل النبوة بالتحديد مثلًا، سنجد أن الطفل ذا الأربع سنوات لن يستطيع إدراك هذا المفهوم بصورته الاستدلالية المنطقية كما هو الحال مع الكبار، كون إمكانيات عقله لا تسعفه في الاسترسال المنطقي، لذك وجدنا أن أفضل طريقة هي في تعريف الطفل ببعض الجوانب اللطيفة والجاذبة لنبي من الأنبياء، كموقف نبي الله عيسى عليه السلام وكيف استطاع بقدرة الله أن يخلق من الطين طيرًا، وموقف النبي موسى عليه السلام وكيف استطاع أن يشق البحر لبني إسرائيل بقدرة الله، وغيرها من الأحداث التي تُدهش الطفل وتجعل شخصيات وأسماء الأنبياء راسخة في ذهنه، وبذلك تتشكل بين الطفل وبين أسماء الأنبياء علاقة معرفية وعاطفية، فالطفل ينشد عاطفيًّا لأبطال قصصه. وتكون هذه القصص بمثابة التمهيد للاعتقاد الاستدلالي والمنطقي لأصل النبوة حينما يغادر الطفل مرحلة الطفولة".

وكل هذه المضامين الهامة يجب تقديمها بقالب فني مميز لتجذب الطفل إليها والمقصود بالقالب الفني الألوان والرسومات وهو ما نجحت بتقديمه في قصصها من خلال تعاونها مع الرسامة زهراء الطبطبائي. تقول الكاتبة بهبهاني: "إن الطفولة تمر بعدة مراحل، ففي السنوات الأولى وحتى عمر السادسة تقريبًا فإن القصة المصورة هي الملائمة والجاذبة لأطفال هذه المرحلة، بالتالي تأتي الرسومات في المرتبة الثانية بعد المضمون ومدى ملاءمته لهذه المرحلة، وتقل أهمية الرسومات كلما ازداد عمر الطفل، كونه سيركز على النصوص المكتوبة أكثر، فقدرته على القراءة تجعله مهتمًّا بالنصوص وقراءتها أكثر من اهتمامه بالرسوم، هذا بالوضع الطبيعي، وهناك استثناءات طبعًا."


* تعزيز ثقافة المطالعة عند الطفل: 
حُكي الكثير عن أهمية قراءة قصة للطفل وكيف أنها تحفز الذكاء والخيال لديه وتساعده على التعبير أكثر عن ذاته، وكما تقول الكاتبة خديجة بهبهاني: "تأتي أهمية قراءة القصة للطفل من كونها تلبية لحاجة أساسية وفطرية قد يؤدي عدم إشباعها إلى خلل في نموه المعرفي بل وحتى العاطفي. فالقصة تشبع حاجة الطفل للمعرفة واكتشاف العالم من حوله فهو كثير السؤال حول علل الأشياء وأسبابها، وشغوف لمعرفة ماهية الأشياء وحدودها، ولو بأسئلة بسيطة كأن يسأل : لماذا لا نرى القمر في النهار؟ أين الله ولماذا لا نراه؟ من هم الناس الطيبون؟ ومن هم الأشرار؟ وغيرها من الأسئلة التي يسألها الطفل لوالديه بشكل يومي. هذا على الصعيد المعرفي، أما على الصعيد العاطفي فإن قراءة القصة للطفل ومحاورة عقله في جو حميمي يجمع الطفل بوالديه أو الطفل بمعلمه يمدّه بالعاطفة التي تمنحه التوازن النفسي والشعور بالأمن. وبالطبع فإن هذه الأجواء الإيجابية تلعب دورًا في تكوين علاقة إيجابية بين الطفل والكتاب وتعزيز ثقافة القراءة لديه." 
ولتعزيز ثقافة المطالعة هناك خطوات عديدة أولها بأن: "ثقافة القراءة تبدأ من الأسرة، فالطفل يتأثر ببيئته، لذلك من الضروري أن يمارس الوالدان نشاط القراءة أمام أطفالهم، بالإضافة إلى توفير مكتبة في المنزل تتضمن كتبًا للكبار والصغار. ومن الجيد أن تقوم الأسرة بزيارة للمكتبات من فترة إلى أخرى وتمنح الأطفال حرية اختيار قصصهم المفضلة. وبالفترة الأخيرة انتشرت في مجتمعاتنا فعاليات تتعلق بقراءة قصة للأطفال، فمن الجيد أن يكون الوالدان على اطلاع بهذه الفعاليات واستغلالها لتعزيز هذه الثقافة عند أطفالهم."

الأسئلة التي يطرحه دائمًا الأهالي: في أي عمر يمكننا أن نبدأ بالقراءة للطفل؟ وأي كتب يختارونها؟ أو بالأحرى ما هي المعايير التي على أساسها يختارون الكتب لأبنائهم؟ تجيب الكاتبة خديجة بهبهاني بالقول: "حتى أكون منصفة، فأنا لست صاحبة اختصاص بجميع مراحل نمو الطفل، فقد بدأت مع الأطفال من عمر الأربع سنوات وأستطيع أن أقول إن هذا العمر متعطش لسماع القصص والحكايات ويشعر بسعادة في أجواء قراءة القصة. أما الأعمار التي تقل عن الأربع سنوات فمن المؤكد أيضًا أنها تنجذب للقصص كون الطفل منذ ولادته نجده منجذبًا نحو معرفة علل الأشياء ومصدرها، فالطفل الرضيع حينما يسمع صوتًا نجده يتلفت بحثًا عن مصدر الصوت! لذا فإن عطش الطفل للمعرفة يُلازمه منذ الولادة وبما أن القصة من أفضل وسائل المعرفة، فهي إذا دائمًا مناسبة، إلا أنها تختلف في أسلوبها ومضامينها باختلاف المرحلة العمرية. لذلك هناك قصص لأطفال السنتين والسنة وهي تكون مصنوعة من قماش حتى لا تؤذي الطفل، أما مضامينها فتكون بسيطة جدًّا تتوافق مع قدرات الطفل الذهنية، كأن تركز القصة على الأشكال والألوان والمأكولات والحيوانات المختلفة لتثري الحصيلة الذهنية التصورية لدى الطفل."

ولربما العائق أو المشكلة الأساس في منع نشر ثقافة المطالعة عند الأطفال هي سيطرة العالم الإلكتروني والعالم الافتراضي. وهنا نسأل: هل القراءة الافتراضية تحل محل الكتاب الورقي؟ ترى بأن: "القراءة الافتراضية لا تغني أبدًا عن الكتاب الورقي، وهو ما لمسته من واقع احتكاكي مع الأطفال، فأحيانًا يكون الأطفال مندمجين بالألعاب الإلكترونية إلا أنه ما إن تجلب لهم قصة ورقية وتبدأ بقراءتها لهم بطريقة طفولية جاذبة تجدهم يتركون الأجهزة الإلكترونية ويتحلقون حولك بانجذاب. وأنا أفسر هذا الانجذاب من كون الكتاب الورقي يمنح فرصة للتواصل عبر لغة الجسد (بالإضافة إلى لغة الكتابة والصورة) بين قارئ القصة (سواء الوالدين أو المعلم) وبين الطفل، ونفس هذا التواصل يشبع عند الطفل حاجات عاطفية لا يشبعها الكتاب الإلكتروني. بالإضافة إلى إمكانية اشتراك أكثر من طفل في قراءة القصة الورقية في وقت واحد، بينما الأجهزة الإلكترونية تجعل الطفل يعيش جوًّا انعزاليًّا فرديًّا، وهو ما يؤثر بشكل سلبي على قدرة الطفل للتواصل الاجتماعي مع الآخرين."

في جعبة الكاتبة خديجة بهبهاني: "مجموعة قصص في سلسلتين تم تقديمهما للأطفال في مركز الإمام الجواد عليه السلام، إحداهما سلسلة بعنوان "حكايات نفيخة وشكشوك " وهي خاصة لعمر 4-6 سنوات، وسلسلة بعنوان "حكايات أم علي وأحفادها" وهي خاصة لعمر 8-9 سنوات، والسلسلتان عبارة عن مزيج من القصص التي من خلالها نحاول إيصال بعض المفاهيم العقائدية والأخلاقية وبعض الآداب والقيم الإسلامية بشكل قصصي.
أما المشاريع المستقبلية فهناك نية لنشر قصة تحمل عنوان "فتاةٌ اسمها مريم"، أحاول من خلالها أن أحكي للطفل عن معنى اسم الله "اللطيف" بأسلوب قصصي مناسب للأطفال. وقد تم الانتهاء من كتابتها إلا أنها لم تُرسم بعد."

 وبكلمة أخيرة للأهل لتحفيزهم على تشجيع أطفالهم على المطالعة تقول: "حتى يتشجع الأطفال على القراءة لابد أن يشعروا بالمتعة أثناء قراءة القصص، فقد ينبذ كثير من الأطفال الكتاب نتيجة لاختيارات الأهالي الخاطئة للقصص، بحيث لا يكون المضمون ملائمًا للمستوى الإدراكي للطفل، أو نتيجة للتركيز على نوعية محددة من القصص وإهمال النوعيات الأخرى. وهذه الاختيارات، سواء الخاطئة أو غير المتوازنة، تكون سببًا لشعور الطفل بالضجر من القصة والكتاب بالتالي يقل الحافز لديه للقراءة.

فمثلًا قد يركز الأهالي الذين يهمهم توصيل المعارف الدينية لأطفالهم على قصص الأنبياء والأئمة عليهم السلام دون التنويع بالقصص، وقد ذكرنا أهمية هذه القصص ودورها التمهيدي في تشكيل العقائد الدينية عند الأطفال، إلا أنه يجب أن لا يهمل الأهالي القصص الأخرى، كتلك التي تتيح للطفل فرصة التعرف على الكون والطبيعة من حوله واكتشاف جمالياتها وإثارة دهشته، والتي لا تقل أهمية عن القصص الدينية المباشرة  لما لهذه القصص من دور في توسعة آفاق الطفل الإدراكية وإثارة تساؤلاته حول الخالق. حيث يمكننا اعتبار هذه النوعية من القصص طريقًا يتلمس فيه الطفل جمال الله وقدرته. ومن واقع تجربتي مع الأطفال (من عمر 4 إلى 7 سنوات) أراهم ينجذبون لمثل هذه القصص كونها تخاطب مستوى إدراكهم الحسي، فالسماء والنجوم والقمر والبحر كلها مواضيع تدركها حواس الطفل ويراها يوميًّا بالتالي لا يشعر بالضجر الذي ممكن أن يشعر به لو قرأت له قصة مباشرة عن مفهوم الإيثار، وهو من المفاهيم المجردة التي يصعب على أطفال هذه المرحلة استيعابها بصورتها المجردة. 

لذا أنصح الأهالي أن يختاروا القصص المناسبة لأعمار أطفالهم والتي تتناسب مع مستويات إدراكهم، وأن يكون هناك تنوّع في نوعية القصص ومضامينها، حتى تتكون بين الطفل والكتاب علاقة إيجابية يشعر من خلالها الطفل بأن الكتاب يلبي له حاجة من حاجاته الأساسية ويشعره بلذة الاكتشاف والمعرفة والدهشة. "

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة