قرآنيات

نماذج من تفسير الإمام الرضا للقرآن

الشيخ باقر شريف القرشي

اهتم الامام الرضا (عليه السّلام) اهتمامًا بالغًا في تفسير القرآن الكريم فأولاه‏ المزيد من العناية في محاضراته وبحوثه التي ألقاها على الفقهاء والعلماء وسائر طلابه وقد نقلها الرواة والمفسرون للقرآن وهذا بعضها:

- قوله تعالى: {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [البقرة: 7] ‏ .

قال (عليه السّلام) في تفسير هذه الآية : الختم هو الطبع على قلوب الكفار عقوبة على كفرهم..

- قوله تعالى: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ} [البقرة: 17] ‏ .

قال (عليه السّلام) في تفسير قوله تعالى: {وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ} [البقرة: 17] ‏ إن اللّه لا يوصف بالترك كما يوصف خلقه ولكنه متى علم أنهم لا يرجعون عن الكفر والضلالة فمنعهم المعاونة واللطف وخلى بينهم وبين اختيارهم .

- قوله تعالى: {وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ} [البقرة: 35] سأل عبد السلام بن صالح الهروي الإمام الرضا (عليه السّلام) فقال له: يا ابن رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله) أخبرني عن الشجرة التي أكل منها آدم وحواء ما كانت؟ فقد اختلف الناس فيها فمنهم من يروي أنها الحنطة ومنهم من يروي أنها العنب ومنهم من يروي أنها شجرة الحسد؟ فقال (عليه السّلام): كل ذلك حق فقال عبد السلام: ما معنى هذه الوجوه على اختلافها؟ فقال (عليه السّلام): يا ابن الصلت إن شجرة الجنة تحمل أنواعًا وكانت شجرة الحنطة وفيها عنب وليست كشجرة الدنيا .

وعلّق الإمام السبزواري على هذه الرواية بقوله: لا ريب في أن تلك الجنة ولو كانت من الدنيا لها خصوصية ليست تلك الخصوصية في جميع جنات الدنيا ومن جهة قلة التزاحم والتنافي في تلك الجنة أو عدمهما فصح أن تحمل شجرة منها أنواعًا .

- قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً} [البقرة: 55] ... .

قال (عليه السّلام) في تفسير الآية الكريمة: إنهم - أي الذين قالوا لموسى هذا القول - السبعون الذين اختارهم موسى (عليه السّلام) وصاروا معه الى الجبل فقالوا: إنك قد رأيت اللّه فأرناه كما رأيته فقال لهم: إني لم أره فقالوا له: لن نؤمن لك حتى نرى اللّه جهرة .

- قوله تعالى: {وَ إِذْ قالَ مُوسى‏ لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قالُوا أَ تَتَّخِذُنا هُزُواً قالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ * قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ فَافْعَلُوا ما تُؤْمَرُونَ * قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها تَسُرُّ النَّاظِرِينَ * قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا وَ إِنَّا إِنْ شاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ * قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيها قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ‏} [البقرة: 67 - 71].

وأدلى الامام (عليه السّلام) بتفسير هذه الآيات فقد روى أحمد بن أبي نصر البزنطي قال: سمعت أبا الحسن الرضا يقول: إن رجلًا من بني إسرائيل قتل قرابة له ثم أخذه وطرحه على طريق أفضل سبط من أسباط بني إسرائيل ثم جاء يطلب بدمه فقالوا لموسى (عليه السّلام) إن سبط آل فلان قتلوا فلانًا فأخبرنا من قتله؟

قال: ايتوني ببقرة {قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [البقرة: 67] ‏ ولو أنهم عمدوا إلى بقرة أجزأتهم ولكن شددوا فشدد اللّه عليهم‏ {قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ} [البقرة: 68] ‏ يعني لا صغيرة ولا {كبيرة عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ‏} ولو أنهم عمدوا إلى أي بقرة أجزأتهم ولكن شددوا فشدد اللّه عليهم‏ {قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ} [البقرة: 69] ‏ولو أنهم عمدوا إلى بقرة أجزأتهم ولكن شددوا فشدد اللّه عليهم‏ {قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ * قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ} [البقرة: 70، 71] فطلبوها فوجدوها عند فتى من بني إسرائيل فقال: لا أبيع إلّا بمل‏ء مسك ذهبا فجاؤوا إلى موسى (عليه السّلام) وقالوا له ذلك فقال اشتروها فاشتروها وجاءوا بها فأمر بذبحها ثم أمر أن يضربوا الميت بذنبها فلما فعلوا ذلك حيي المقتول وقال: يا رسول اللّه إن ابن عمي قتلني دون من يدعي عليه قتلي فعلموا بذلك قاتله فقال لرسول اللّه موسى بعض أصحابه: إن هذه البقرة لها نبأ فقال موسى: ما هو؟ قالوا إن فتى من بني إسرائيل كان بارًّا بأبيه وإنه اشترى بيعًا فجاؤوا إلى أبيه والأقاليد (مقاليد) تحت رأسه فكره أن يوقظه فترك ذلك البيع فاستيقظ أبوه فأخبره فقال له: أحسنت هذه البقرة فهي لك عوضًا لما فاتك قال: فقال له رسول اللّه موسى: انظر إلى البر ما بلغ أهله‏ .

- قوله تعالى: وَ {وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [البقرة: 102].

قال (عليه السّلام) في تفسير هذه الآية: وأما هاروت وماروت فكانا ملكين علما الناس السحر ليتحرزوا به عن سحر السحرة و يبطلوا كيدهم وما علّما أحدًا من ذلك شيئًا إلّا قالا له: إنما نحن فتنة فلا تكفر فكفر قوم باستعمالهم لما أمروا بالاحتراز عنه وجعلوا يفرقون بما يعلمونه بين المرء وزوجه قال اللّه تعالى: {ما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ‏} .

- قوله تعالى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] ..

قال (عليه السّلام) في تفسير هذه الآية: يعني شاة وضع على أدنى القوم قوة ليسع القوي والضعيف .

- قوله تعالى: {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ} [البقرة: 205] ‏.

هذه الآية الكريمة نزلت في الأخنس بن شريك حليف بني زهرة أقبل إلى النبي (صلّى اللّه عليه وآله) في المدينة وقال: جئت أريد الإسلام ويعلم اللّه أني لصادق فأعجب النبي (صلّى اللّه عليه وآله) منه ثم أنه خرج من عند النبي (صلّى اللّه عليه وآله) فمر بزرع لقوم من المسلمين وحمر فأحرق الزرع وعقر الحمر وقد فسّر الإمام الرضا (عليه السّلام) النسل بالذرية والحرث بالزرع‏ .

- قوله تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ} [البقرة: 210] سأل ابن فضال الإمام الرضا (عليه السّلام) عن تفسير هذه الآية فأجابه: هل ينظرون إلّا أن يأتيهم اللّه بالملائكة في ظلل من الغمام وهكذا نزلت وعن قول اللّه عزّ وجلّ: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} [الفجر: 22] فقال (عليه السّلام): إن اللّه لا يوصف بالمجيء والذهاب تعالى عن الانتقال وإنما يعني بذلك وجاء أمر ربك والملك صفًّا صفًّا ، وعلّق السيد السبزواري على تفسير الإمام بقوله: ما ورد في الحديث حسن جدًّا للآية الشريفة كما هو شأنه (عليه السّلام) في بيان الآيات المتشابهات والمراد بقوله (عليه السّلام): هكذا نزلت هو النزول البياني والتفسيري على قلب رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) .

- قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} [البقرة: 260] .. .

سأل صفوان بن يحيى الإمام الرضا (عليه السّلام) عن هذه الآية وقال له: أ كان في قلب إبراهيم شك؟ فقال (عليه السّلام): لا كان على يقين ولكنه أراد من اللّه الزيادة في يقينه‏ .

- قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ} [آل عمران: 33، 34] .

استدل الامام الرضا (عليه السّلام) بهذه الآية الكريمة حينما سأله المأمون هل فضّل اللّه العترة على سائر الأمة؟ فقال (عليه السّلام): إن اللّه عزّ وجلّ أبان فضل العترة على سائر الناس في محكم كتابه فقال المأمون: وأين ذلك من كتاب اللّه؟ فقال (عليه السّلام): في قوله عزّ و جلّ: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ} إن العترة داخلون في آل ابراهيم لأن رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله) من ولد إبراهيم وهو دعوة إبراهيم وعترته منه‏ وكلام الإمام (عليه السّلام) ليس من التفسير وإنما هو من الاستدلال بظاهر الآية على ما ذكره.

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة