قرآنيات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ محمد مصباح يزدي
عن الكاتب :
فيلسوف إسلامي شيعي، عضو مجلس خبراء القيادةrn مؤسس مؤسسة الإمام الخميني للتعليم والبحث العلمي

بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ

 

الشيخ محمد تقي مصباح اليزدي 
"والْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ"
الله تعالى يقول: إنّ بين المؤمنين ولاية لبعضهم على البعض الآخر. وفي ظل هذه الولاية يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر. 
ومهما كان معنى هذه الولاية - سواء أخذناها بمعنى المحبة أو بمعنى لون من السلطة والقدرة القانونية أو بأي معنى آخر - فإنها تحمل الإنسان على أن يمنع الآخرين عن القيام بالفعل القبيح.
فالإنسان إذا أراد أن يُبعد شخصًا عن المعصية في المجتمع فلابد أن يكون له لون من التسلط والحق القانوني على ذلك الفرد حتى يستطيع القيام بهذا المنع.
إنّ هذا الحق لا يُعطى لأحد في الثقافة الغربية بحيث يستطيع منع أحد آخر من ارتكاب المعصية أو يستطيع التدخل في الشؤون الدينية والمعنوية لسائر الأفراد في المجتمع. 
وإذا تطوع أحد بالقيام بهذا العمل فإنه يعد متطفلاً ويقال له: ما علاقتك بهذا؟⁉️
أما في الإسلام فإن الأمر يختلف تمامًا حيث يؤكد الإسلام على أن المجتمع هو بمنزلة الجسد الواحد، فكما أن المؤمن يُبعد نفسه عن المعصية فهو مكلف أيضًا بأن يبعد الآخرين عنها. 
فبالإضافة إلى ما يقتضيه الشعور الأخلاقي والعاطفة الإنسانية من إبعاد من نراه مشرفًا على الاحتراق نتيجة للمعصية فإنّ الإسلام يقول: إنّ الله تعالى قد أوجب علينا أن لا نتركه يحترق، ويعتبر هذا من أوجب الواجبات حسب الرواية القائلة: «إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر... فريضة عظيمة بها تقام الفرائض».
فاذا أهمل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإنّ سائر الواجبات سوف تترك أيضًا. 
إن بقاء سائر الفرائض في المجتمع رهين للقيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن جرى العمل بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المجتمع فسوف يجري العمل أيضًا بسائر الواجبات، وإن ترك الأمر بالمعروف فسوف تترك بقية الواجبات أيضًا.

ولاية بعض المؤمنين على بعض:
 تحدث الله تعالى عن المؤمنين بقوله:
"المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض" ولكنه سبحانه يقول عن المنافقين:
"المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض"
 لماذا يعتبر الله تعالى الولاية لبعض المؤمنين على بعض بينما يعتبر المنافقين شيئًا واحدًا؟⁉️
يمكننا دراسة هذا الموضوع من جهتين:
1الأولى:
إذا أخذنا الآية الكريمة «بعضهم أولياء بعض» بمعنى الولاية فمعنى ذلك أنَّ كل مؤمن يتمتع بالولاية على المؤمن الآخر. فلكي يتمكن المؤمنون من الأمر والنهي فيما بينهم لابد أن يتمتعوا بمبرر قانوني وسلطة قانونية، والله تعالى هو ولي الجميع ويجعل ولاية وقدرة قانونية للمؤمنين بعضهم على بعض ليتيسر لهم الإشراف والتدخل في أعمال بعضهم البعض، فيقومون بالأمر والنهي كما ينبغي.
أما بالنسبة للمنافقين فهم يريدون الهجوم على الدين وتجريد الناس من دينهم بواسطة «الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف»، وهذا لا يحتاج إلى ولاية، لأن الولاية حق قانوني، والقانون - في أي مجتمع - لا يجيز الأمر بالمنكر.
2الثانية: إذا أخذنا «بعضهم أولياء بعض» بمعنى المحبة والمودة فمعنى ذلك أن كل مؤمن يحب المؤمن الآخر ويشعر بالمودة له، فإذا لاحظ المؤمن أن ضررًا يلحق بأخيه المؤمن فهو يتألم ويضطرب ويبذل قصارى جهده لكي يلفت انتباهه لذلك الضرر. فلأن المؤمنين يحب بعضهم بعضًا فهم يقومون بالأمر والنهي فيما بينهم. إن المؤمنين لا يريدون أن يحترق أخوهم وأختهم في الدين في نار جهنم.
أما المنافقون فهم ليسوا کالمؤمنین - يحترق قلب بعضهم لبعض - وإنما كل واحد منهم يفكر في مصلحته فحسب، يقول الله تعالى في كتابه الكريم:
«تحسبهم جميعًا وقلوبهم شتى»
فالإنسان قد يلاحظ المنافقين مجتمعين في جبهة مشتركة ويعملون معًا وهناك فيما بينهم - حسب الظاهر - تعاون وانسجام، إلا أن قلوبهم . في الواقع - متفرقة، فهم لا يحب بعضهم بعضًا، وإذا لم تؤمن مصلحة فرد منهم فقد يقوم باغتيال من يعتقد أنه حجر عثرة بالنسبة إليه، لأن كل فرد منهم لا يفكر إلا في مصلحته، وحتى إذا شكلوا تجمعًا أو قاموا بعمل مشترك فإن ذلك من أجل أن يؤمنوا مصالحهم الذاتية. وإذا حصل تزاحم في هذا التجمع وتعرضت مصالحهم الشخصية للخطر فإن كل شيء ينتهي ويفترس كل منهم الآخر.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة