من التاريخ

في أحوال المختار (1)

 

السيد نعمة الله الجزائري
في كتاب الأمالي عن المنهال قال: دخلت على عليّ بن الحسين (عليهما السّلام) بعد منصرفي من مكّة، فقال لي: يا منهال ما صنع حرملة بن كاهل الأسدي؟ فقلت: تركته حيًّا بالكوفة، فرفع يديه وقال: اللّهم أذقه حرّ الحديد، اللّهم أذقه حرّ النار.
قال المنهال: فقدمت الكوفة وقد ظهر المختار وكان لي صديقًا، فركبت إليه فلقيته خارجًا من داره فأعلمته أنّي كنت بمكّة وسايرته حتّى جاء الكناسة فوقف كأنّه ينتظر شيئًا، وقد كان أخبر بمكان حرملة فوجّه في طلبه فلم يلبث أن جاء قوم يركضون وقالوا: أيّها الأمير البشارة قد أخذ حرملة، فجاؤوا به فقال: الحمد للّه الذي مكّنني منك، ثمّ قال: الجزّار الجزّار، فأحضر فقال: اقطع يديه فقطعتا، ثمّ قال: اقطع رجليه، فقطعتا، ثمّ قال: النار النار، فأتي بنار وقصب فألقي عليه فاشتعل فيه النار فقلت: سبحان اللّه، فقال لي المختار: ففيم سبّحت؟ فقلت: أيّها الأمير دخلت في سفرتي هذه على عليّ بن الحسين فسألني عن حرملة فقلت: تركته حيًّا، فقال: اللّهم أذقه حرّ الحديد، اللّهم أذقه حرّ النار، فنزل المختار عن دابّته وصلّى ركعتين وأطال السجود، فركب وقد احترق حرملة و ركبنا حتّى حاذى داري فقلت: أيّها الأمير إن رأيت أن تشرّفني وتحوم بطعامي، فقال: يا منهال تعلمني أنّ عليّ بن الحسين دعا بأربع دعوات فأجابه اللّه على يدي ثمّ تأمرني أن آكل، هذا يوم صوم شكرًا للّه عزّ وجلّ على ما فعلته بتوفيقه، وحرملة هو الذي حمل رأس الحسين (عليه السّلام)‏ .


وفي ذلك الكتاب أيضًا: أنّ المختار ظهر بالكوفة ليلة الأربعاء لأربع عشرة ليلة بقيت من ربيع الآخر سنة ستّ وستّين فبايعه الناس على كتاب اللّه وسنّة رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله) والطلب بدم الحسين (عليه السّلام) ودماء أهل بيته رحمة اللّه عليهم والذبّ عن الضعفاء ونهض إلى عبد اللّه بن‏ مطيع، وكان على الكوفة من قبل ابن الزبير فأخرجه وأصحابه منها منهزمين وأقام بالكوفة إلى المحرّم سنة سبع وستّين ثمّ عمد إلى إنفاذ الجيوش إلى ابن زياد وكان بأرض الجزيرة، فأمر إبراهيم الأشتر على الجنود فخرج يوم السبت في ألفين من مذحج وأسد وفي ألفين من تميم وهمدان وألف وخمسمائة من قبائل المدينة وألف وخمسمائة من كندة وربيعة وألفين من الحمراء، وشيّع المختار إبراهيم بن الأشتر ماشيًا، فقال له إبراهيم: اركب رحمك اللّه، فقال: إنّي أجتلب الأجر في خطاي معك وأحبّ أن تغبرّ قدماي في نصر آل محمّد، ثمّ ودّعه وانصرف فسار حتّى أتى المدائن يريد ابن زياد فرحل من المدائن وأقبل إليه ابن زياد بالجموع حتّى التقى في حصن ابن الأشتر أصحابه وقال: يا أهل الحقّ هذا ابن زياد قاتل الحسين وأهل بيته قد أتاكم اللّه به وبحزبه حزب الشيطان فقاتلوهم بنيّة وصبر لعلّ اللّه يقتله بأيديكم ويشفي صدوركم ونادى أهل العراق: يا أهل ثارات الحسين، فحمل ابن الأشتر يمينًا فخالط القلب وكسرهم أهل العراق فركبوهم يقتلونهم فانكشفت الغمّة وقد قتل ابن زياد قتله إبراهيم بيده وعرفه بأنّ منه رائحة المسك فحزّ رأسه واستوقدوا عامّة الليل بجسده لأنّ فيه شحمًا كثيرًا، فحووا ما في العسكر وهرب غلام لابن زياد إلى الشام فأخبر عبد الملك بن مروان، فبعث ابن الأشتر برأس ابن زياد وأعيان من كان معه إلى المختار فجاؤوا بها وهو يتغدّى فقال: الحمد للّه ربّ العالمين وضع رأس الحسين بين يدي ابن زياد وهو يتغدّى وأتيت برأس ابن زياد وأنا أتغدّى.


قال: وانسابت حيّة تخلّل الرؤوس حتّى دخلت في أنف ابن زياد وخرجت من أذنه ودخلت في أذنه وخرجت من أنفه، فلمّا فرغ المختار من الغداء قام فداس وجه ابن زياد بنعله ثمّ رمى بها إلى غلامه وقال: غسّلها فإنّي وضعتها على وجه نجس كافر وبعث المختار برأس ابن زياد وأصحابه إلى محمّد بن الحنفية بمكّة وعليّ بن الحسين (عليهما السّلام) كان بمكّة وكتب إليه صورة الحال فبعث محمّد رأس ابن زياد إلى عليّ بن الحسين (عليهما السّلام) فأدخل عليه وهو يتغدّى فقال: دخلت على ابن زياد وهو يتغدّى ورأس أبي بين يديه فقلت: اللّهم لا تمتني حتّى تريني رأس ابن زياد وأنا أتغدّى والحمد للّه الذي أجاب دعوتي ثمّ أمر فرمي به.

 

وكان المختار قد سألوه في أمان عمر بن سعد، فآمنه بشرط أن لا يخرج من الكوفة فإن خرج منها فدمه هدر فأتى عمر بن سعد رجل فقال: إنّي سمعت المختار يحلف ليقتلن رجلًا وما أحسبه غيرك، فرجع عمر حتّى أتى مكانًا يقال له الحمام فقيل له: أترى هذا يخفى على المختار، فرجع ليلًا فدخل داره، فلمّا أصبح حكي للمختار أنّه خرج ليلًا فارًّا إلى الشام فأرسل إليه رجلًا جاء برأسه، واشتدّ أمر المختار بعد قتل ابن زياد وتتّبع قتلة الحسين ومن أعان عليه فقتلهم كلّهم وبلغه أنّ شمرًا لعنه اللّه أصاب من الحسين إبلًا فنحرها في الكوفة وقسّم لحومها، فقال: احصوا لي كلّ دار دخلها من ذلك اللحم، فقتل رجالهم وهدم دورهم وبعث معاذ بن هاني إلى دار خولي بن يزيد الأصبحي وهو الذي حمل رأس الحسين (عليه السّلام) إلى ابن زياد فأتوا داره فاستخفى في الكنيف، فدخلوا عليه فوجدوه قد ركب على نفسه قوصرة فأخذوه إلى المختار فقتله وأحرقه، وطلب شمرًا فهرب إلى البادية فأتوه به أسيرًا فضرب عنقه وأغلى له دهنًا في قدر فقذفه فيها فتفسّخ، ثمّ إنّ العبيد قتلت مواليهم الذين قاتلوا الحسين (عليه السّلام) وأتوا المختار فأعتقهم‏ .
وعن أبي عبد اللّه (عليه السّلام) إنّ اللّه عزّ وجلّ إذا أراد أن ينتصر لأوليائه انتصر لهم بشرار خلقه، وإذا أراد أن ينتصر لنفسه انتصر بأوليائه، ولقد انتصر ليحيى بن زكريا ببخت نصر .

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة