علمٌ وفكر

الانقطاع الاضطراري و الانقطاع الاختياري (1)

 

الشهيد مرتضى مطهري
يمكن للإنسان أن يدعو الله في حالتين
الأولى: حين تنقطع كل الأسباب، وتغلق كل دروب الخلاص بوجهه ويصبح مضطرًا للالتجاء لله.
الثانية: حين تتعالى وتسمو روحه، فسوف ينتزع نفسه، ويقطعها عن كل الأسباب والوسائل وبإرادته، لا أنه مضطر لذلك كالحالة الأولى.
وفي الحالة الأولى: حالة الاضطرار وانقطاع الأسباب بنفسها، يندفع الإنسان لله، مقهورًا ولا يحتاج لدعوة خاصة، ومن الواضح أن هذه الحالة، لا تعد كمالاً للنفس الإنسانية، ولكن الحالة الثانية كمال للنفس، حيث يسمو الإنسان باختياره، ويقطعها بإرادته عن كل الأسباب.

شروط الدعاء
1 ـ الرغبة والطلب الجدي
الشرط الأول: أن تتملك وجود الإنسان الرغبة والطلب الجدي، حيث تصبح كل شرائح وجوده وخلاياه معبرة عن طلبه، ويتحول ما يريده، ويرغب فيه، إلى حاجة حقيقية، كما لو تعرض موضع من البدن، للاحتياج فإن جميع أعضاء البدن وجوارحه. سوف تبدأ بالعمل، وربما تزيد بعض الأعضاء من فعاليتها، من أجل أن تشبع حاجة ذلك الموضع، فلو شعر الإنسان بالعطش، فإن ملامح عطشه ستبدو عليه، واضحة، وتهتف أعضاؤه كلها طالبة، الماء: الفم، والكبد، والمعدة، والشفة، واللسان، وحتى لو نام في تلك اللحظات فسوف يلوح الماء له في نومه، لأن البدن يحتاج ويطالب بالماء جديًا، وهذا تمامًا كالاحتياج الروحي والمعنوي في الإنسان، الذي هو جزء من عالم الخليقة والتكوين، الذي يشمل العالم كله، أن الروح الإنسانية جزء من عالم من الوجود، فلو افتقرت لشيء ما، بصورة جدية وحقيقية، فإن جهاز الكون الكبير، لا يهملها، ولا يدعها لشأنها. 
وهناك فرق كبير بين تلاوة الدعاء والدعاء الحقيقي، فإذا لم يواكب قلبه لسانه، ولم ينسجم معه، فلا يعد ما يدعو به، دعاء حقيقيًا وجديًا، فلا بد أن ينبثق الطلب والاحتياج، ويتدفق من أعماق الإنسان، بصورة جدية وحقيقية، لا بد أن يبدو الاحتياج الحقيقي في كيان الإنسان كله.....
(أن كل ما يظهر في الوجود، يبحث هنا وهناك حول ما يحتاجه، حتى يعثر على الطالب له: أن من يبحث عن شيء، سيعثر عليه في النهاية، وما يبذله الإنسان ويتحمله في هذا السبيل، وإن كان مجهدًا، ومضنيًا، ولكنه رحمة في الواقع.
أن الجواب يتجه للمشكلات، والماء يتجه للموضع المنخفض. لا تبحث عن الماء، بل دع نفسك تظمأ، فحينئذ سيصل إليك الماء من كل جانب. (أم من يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء)
 

2_ الثقة بالاستجابة
وتعني الإيمان واليقين، الإيمان بالرحمة اللامتناهية لذات الباري، الإيمان بأنه تعالى لا يمنع من فيضه أبدًا ولا يبخل به على أحد ، الإيمان بأن باب الرحمة الإلهية لا تغلق على عبد أبدًا، وإن النقص والقصور _ إذا كان _ فهو من جانب العبد نفسه، وفي الحديث (إذا دعوت فظن حاجتك بالباب) والإمام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام) في الدعاء المعروف بأبي حمزة الثمالي، يخاطب الله تعالى: (اللهم إني أجد سبل المطالب إليك مشرعة، ومناهل الرجاء لديك مترعة، والاستعانة بفضلك لمن أملك مباحة، وأبواب الدعاء إليك للصارخين مفتوحة، وأعلم أنك للراجين بموضع إجابة، وللملهوفين بمرصد إغاثة وإن في اللهف إلى جودك والرضا بقضائك عوضًا عن منع الباخلين، ومندوحة عما في أيدي المستأثرين، وان الراحل إليك قريب المسافة وأنك لا تحجب عن خلقك إلا أن تحجبهم الآمال دونك.
يقول حافظ: الشاعر الفارسي
(إنما يمكنك النظر لسر الدنيا، حين يمكنك أن تصنع من تراب الحانة كحلاً لبصرك. إنما يكشف مرادك النقاب عن وجهه الوردي، حين يمكنك أن تخدمه كنسيم السحر. إن الاستجداء على أبواب الحانة، حفنة من الإكسير، إذا مارسته، سيمكنك أن تصنع من التراب ذهبًا). 
تقدم وامض إلى الأمام، في طريق العشق والحب، بكل عزيمة وثبات، فإنك ستجني الكثير من الفوائد، لو أمكنك هذا السفر. أنت.... الذي لا تخرج نفسك عن مدار الطبيعة، فكيف يمكنك أن تطوي مراحل الطريقة وتجتازها. ليس لجمال الحبيب نقاب، ولكن حاول إزالة الغبار عن الطريق ليمكنك النظر.
تعال..... فلا سبيل لك، للذوق، والحضور ونظم الأمور، إلا إذا أمكنك الاستفادة من فيوضات أهل النظر. ولكن..... أنت الذي تحلم بشفاه الحبيب، وكأس الخمر، لا تطمع بعمل آخر، فإنه لا يمكنك ذلك ما دمت تحلم بهما.
أيها القلب، لو تعرفت على نور الهداية، فستكون كالشمع، يضحك ولكنه يضحي برأسه).

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة