سياحة ثقافية

مقام جعفر بن أبي طالب (2)


التّوسعة
في الفترة الواقعة ما بين عامَي 1930م و 1934م، جُدِّدَ مقام الشهيد جعفر الطيّار في بلدة المزار، وتمّ بناء مسجد كبير تعلوه قبّة كبيرة ويتقدّمه بناءان، تعلوهما قبّتان خضراوان صغيرتان، وبجوارهما مِئذنتان.
وفي سنة 1965م جُدِّد ضريحا زيد بن حارثة وعبدالله بن رواحة الواقعين على بُعد عشرات الأمتار عن مقام جعفر، ونُفّذت خطّة استملاك وإضافة مساحات جديدة لأضرحة الصّحابة الثلاثة.
وفي سنة 1971م، وُضِعت خطّة لتطوير المقام، فتمّ بناء المئذنة، ورُمِّم سقف القبّة والأبواب والشّبابيك، وأُزيل المدخل القديـم، وأُصلِحَت الغرف الأمامية وجُهّزت لتكون متحفاً إسلاميّاً.
وفي سنة 1996م، تمّ توسيع مقام جعفر رضوان الله عليه، وهو الآن المُصلّى الرئيس في اللّواء لِما يَتمتّع به من مساحاتٍ وافِرة.

داخل المقام
أقيم المشهد على مساحة من الأرض قدرها نحو 35 ألف م2، وفي داخله بناءٌ من المَرْمَر عند الموضع الذي استُشهد فيه جعفر الطيّار.
وقبل أن تدخل الرّوضة (حجرة الضريح) حيث دُفن، يَقع نظرك على لوحةٍ من الرّخام وُضِعت على الحائط قرب الباب، كُتِب عليها بِخَطٍّ أسود في ستّة سطور: «هذا مقام الصّحابيّ الجليل الشّهيد سيّدنا جعفر بن أبي طالب ابن عمّ رسول الله صلّى الله عليه وآله، هاجر الهجرتَين وكان القائد في معركة مؤتة وفيها فَقَد ذراعَيه ثمّ استُشهِد، فأَخبر الرّسول أنّ الله قد أبدله بدلاً منها بجناحين يطير بهما في الجنّة، فسُمِّي رضي الله عنه بجعفر الطيّار».
يرتفع الضّريح عن الأرض حوالي متر واحد ونصف المتر تقريباً، يُحيط به سياج حديديّ طُلِي باللّون الأخضر، طوله ثلاثة أمتار وعرضه متران.
وعلى أحد جدران المقام عُلِّقت لوحة كُتب عليها سيرة الطيّار في ثلاثة عشرة فقرة تتحدّث عن نَسَبه، وصلاته مع الرسول صلّى الله عليه وآله، وزواجه من أسماء بنت عميس، وهجرته إلى الحبشة والمدينة وتسميته من قِبَل رسول الله صلّى الله عليه وآله بأبي المساكين، واستشهاده. وقد ذُيِّلت اللّوحة باسم مُهديها لمرقد جعفر الطيّار المحامي الحاج أمير كاظم الصالحيّ (بغداد) وبتاريخ الإهداء 7/4/1995.
وعلى جدارٍ آخَر، لوحة كُتبَ عليها أحد عشر بيتاً من القصيدة المشهورة التي يقول الشّاعر في مطلعها:
دَعِ الأَيّامَ تَفْعَلُ ما تَشاءُ          وَطبْ نَفْساً إِذا حَكَمَ القَضاءُ
وتُزيِّن وَسط سقف المقام ثُريَّا مصنوعة من الزُّجاج الأبيض، فيما تتوزَّع المصابيح البيضاء على الجوانب من سقف المقام.
ويزور هذا المرقد عدد غير قليل من النّاس، لا سيّما في أوقات الصّلاة اليوميّة، أغلبهم سكَّان مدينة المزار الذين يُفضِّلون الصّلاة في هذا المكان قُرْب وَلِيٍّ من أوليائه.
وإلى الجنوب من المشهد بعشرات الأمتار، يقع مسجد عبد اللّه بن رواحة في الموقع الذي استُشهد فيه، وكذلك قبر زَيْد بن حارثة.

مرقد زَيْد بن حارثة
على بُعْد مئة وخمسين متراً من مرقد جعفر الطيّار، يَقع مرقد الشّهيد زَيْد بن حارثة. ومقامه صغير لا تزيد مساحته عن اثني عشر متراً مربّعاً. تُحيط بغرفة القبر حديقة متواضعة، ولا يُفتح المرقد أمام الزّائرين إلاّ نهار الجمعة من كلّ أسبوع.
وزَيْد  بْنُ حارِثَة بْنِ شَرَاحِيل، أمّه سُعْدَى بِنْت ثعْلَبَة منْ طَيئ، وعندما كان غلاماً زارت أمُّه قَوْمَها، وزَيْد معها، فَأَغارتْ خَيْل لِبَني القَيْن بنِ جَسْر فِي الجاهليَّة، فَمَرُّوا عَلَى بيوت بَنِي مَعْن رَهْط أُمّ زَيْد، فَاحتَمَلوا زَيْدًا، فَوافَوْا به سوق عكاظ، فعرضوه للبَيع فاشترته خديجة بنت خويلد، ثمّ أَعتَقَه النبيّ صلّى الله عليه وآله وتبنّاه.
قال عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ: ما كنّا نَدعُوه إِلَّا زَيْد بن مُحمَّدٍ حَتَّى نزل الْقرْآن: ﴿ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ..﴾ الأحزاب:5. ثمّ زَوَّجه ابنة عمَّتِه زينبَ بِنْت جَحْش، فطلّقها زيد بعد ذلك فتزوّجها رسول الله، فتكلّم المنافقون في ذلك وطعنوا فيه، وقالوا محمّد يُحرِّم نساء الولد وقد تزوَّج امرأة ابنه زَيْد، فأنزل الله تعالى: ﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ..﴾ الأحزاب:40. كما نزلت الآية ﴿وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا﴾ الأحزاب:37.
كان زيد بن حارثة مِن أقدم الصَّحابة إسلاماً، وله قال النبيّ صلّى الله عليه وآله: «يَا زَيْدُ، أَنْتَ مَوْلاَيَ، وَمِنِّي وَإِلَيَّ، وَأَحَبُّ الْقَوْمِ إِلَيَّ». وبعض المؤرِّخين يَرَون أنَّ النّبيّ جعل له الإمارة في غزوة مؤتة.

مرقد عبد الله بن رواحة
دُفِن الصَّحابي الجليل عبد الله بن رواحة في المزار على مسافة مائة متر من قبر زيد بن الحارثة، وحوالي مائتي متر من قبر جعفر بن أبي طالب.
وعبدالله بن رواحة من الخَزْرَج. كان يَكْتب فِي الْجاهلِيَة وكانت الكِتابَة فِي الْعربِ قلِيلة، وَشهدَ العَقَبة مَعَ السَّبعِين من الأَنصَار، وَهو أحد النُّقباء الاثنيْ عشرَ منهم، وشهِد بَدْراً، وأُحُداً، وَالخنْدق، والحُدَيْبِيَة، وخَيْبَراً وغيرها. ويُعَدُّ من الأُمراء والشُّعراء الرَّاجزين، ولَمَّا نَزَلَتْ: ﴿وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ﴾ الشعراء:224، جاء عبدالله بن رواحة وكعب بن مالك وحسَّان بن ثابت وهم يبكون، فقالوا: «يا رسول الله، لقد أَنزل الله هذه الآية وهو يعلم أنَّا شعراء، أَهَلكنا؟»، فأنزل الله ﴿إِلّا الّذينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ..﴾ الشعراء:227، فدعاهم رسول الله فتلاها عليهم. وكان أحد الأمراء في وقعة مؤتة.
يقع مرقده وَسط مُنتزه كبير، ويقوم على رعايته شيخ مُسِنّ، لا يفتح غرفة الضَّريح إلَّا نهار الجمعة أمام الزائرين.
ـــــــــــ
محلة شعائر، العـدد السابع عشر

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة