من التاريخ

العرب قبل بعثة النبي(ص)


إن البداية الطبيعة للحديث عن سيرة رسول الله (ص) تفرض علينا إعطاء لمحة مختصرة عن تاريخ ما قبل البعثة وما اتصل بها من أحداث لنتعرف إلى الظروف والأوضاع التي كانت تحكم المجتمع والمنطقة آنذاك، والتي انطلقت فيها دعوة النبي (ص) إلى الإسلام. وسوف نستعرض في حديثنا هنا، الظروف والأوضاع الدينية والسياسية والاجتماعية والأخلاقية التي كانت سائدة في العصر الجاهلي في شبه الجزيرة العربية، أي في منطقة الحجاز وجوارها.

على المستوى الديني
على المستوى الديني كانت الوثنية هي الديانة الكبرى في شبه الجزيرة العربية. وكانت عقيدة الشرك وعبادة الأصنام متفشية بين سكان هذه المنطقة. ويكفي أن نذكر أن عبادتهم للأصنام كانت ملونة باللون القبلي، فلكل قبيلة، بل لكل بيت وثن وطريقة في العبادة. ورغم أنهم كانوا يعتقدون بوجود الله وخالقيته للكون، إلا أنهم كانوا يرون أن عبادتهم للأصنام تقربهم من الله، وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك بقوله تعالى: "والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى".


على المستوى السياسي
وأما على المستوى السياسي، فإن سكان شبه الجزيرة العربية آنذاك لم يخضعوا لأي سلطة أو نظام غير سلطة القبيلة، وبسبب أن معظم سكان هذه المنطقة، كانوا من البدو الرحل الذين يمسون في مكان ويصبحون في مكان آخر، هذا من جهة، وبسبب رفضهم لجميع أنواع التسلط الذي يحدّ من حرية الأفراد والأسرة والقبيلة من جهة ثانية، وبسبب بعض العوامل الاقتصادية نظرا لكون طبيعة المنطقة صحراوية لا تصلح للزراعة والعمل ولا تساعد على الاستقرار لتنظيم الحياة والانتاج من جهة ثالثة. لأجل كل ذلك أن هذه المنطقة بقيت بعيدة عن سيطرة الدول الكبرى ونفوذها آنذاك، فدولة الفرس ودولة الرومان لم تخضع لحكم ونظام أي من الرومان والفرس والأحباش، ولم تتأثر بمفاهيمهم وأديانهم كثيرًا.
كانت حياة العرب قبل الإسلام صعبة للغاية ومن هنا فقد نشأت من هذا الوضع ظاهرة الدويلات القبلية، فكان لكل قبيلة حاكم، ولكل صاحب قوة سلطان، ولم يكن يجمعهم نظام واحد، أو سلطة سياسية واحدة، وإنما كانوا يعيشون فراغًا سياسيًّا في هذا الجانب.


على المستوى الاجتماعي
وأما الوضع الاجتماعي، فإن الحياة الصعبة، التي كان يعيشها الإنسان العربي في البادية. والحكم القبلي وعدم وجود روادع دينية أو وجدانية قوية دفع بالقبائل إلى ممارسة الحرب والاعتداء بعضهم على بعض كوسيلة من وسائل تقديم العيش أحيانًا، وأحيانًا لفرض السيطرة، وأحيانًا أخرى للثأئر للاقتصاص. فكانت هذه القبيلة تغير على تلك القبيلة وتستولي على أموالها وتسبي نسائها وأطفالها، وتقتل أو تأسر من تقدر عليه من رجالها ثم تعود القبيلة المنكوبة لتتربص بالقبيلة التي غلبتها وهكذا. ولذلك فإن من يطالع كتب التاريخ يرى بوضوح إلى حد كانت الحال الاجتماعية متردية في ذلك العصر. فالسلب والنهب والإغارة والتعصب القبلي كان من مميزات ذلك المجتمع. وكانت لأتفه الأسباب تحدث بينهم حروب طاحنة ومدمرة يذهب ضحيتها آلاف الناس.
ولعل أبرز الأمثلة على ذلك ما عرف بحرب داحس والغبراء. ولعل أفضل مرجع للتعرف إلى ملامح الوضع الاجتماعي في العقد الجاهلي هو كلمات أمير المؤمنين (عليه السلام) التي يصف فيها حال العرب قبل بعثة النبي (ص)، إذ يقول في بعض كلماته: "إن الله بعث محمدًا نذيرًا للعالمين وأمينًا على التنزيل، وأنتم معشر العرب على شر دين وفي شر دار منخيون (مقيمون) بين حجارة خُشن وحيات سم تشربون الكدر وتأكلون الجشب (الطعام الغليظ) وتسفكون دماءكم وتقطعون أرحامكم، الأصنام فيكم منصوبة والآثام بكم معصوبة.


على المستوى الأخلاقي
وأما الوضع الأخلاقي العام، فقد كانت القسوة والفاحشة وتعاطي الخكر والربا ووأد البنات والأبناء خشية العار والفقر هي السمات العامة للأخلاق المتفشية في المجتمع الجاهلي. ويكفي أن نشير إلى بعض النماذج من العادات والتقاليد التي كانت سائدة آنذاك، والتي أشار إليها القرآن الكريم لمعرفة مدى شيوع الفاحشة وظاهرة انعدام الغيرة والتحلل الأخلاقي في تلك المجتمعات الجاهلية. كما أن عاداتهم القبيحة أيضًا الطواف حول الكعبة وهم عراة، سواء الرجال والنساء. وكان الرجل إذا هدده الإفلاس وشعر أنه سيصاب بالفقر كان يبادر إلى قتل أولاده خوفًا من أن يراهم أذلاء جائعين. ولقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك، بقوله تعالى: "ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وأياهم".
الحروب القبلية كانت هي حياة العرب قبل الإسلام كما أننا نستطيع معرفة مدى شيوع ظاهرة وأد البنات ودفنهن وهن أحياء من تعرض القرآن الكريم لهذه العادة وإدانته لهذه الجريمة وتعنيفه لتلك المجتمعات على هذا السلوك الوحشي. فقد قال تعالى: "وإذا المؤدة سئلت بأي ذنب قتلت"، وقال أيضًا: "وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم يتوارى من القوم من سوء ما بشر به".

هذه هي أوضاع المجتمع العربي وأحواله في شبه الجزيرة آنذاك. ومن قلب هذا المجتمع وهذا الجو القبلي المعقد والمشرذم الذي توافرت فيه كل أنواع الفساد والبعد عن القيم والأخلاق وأصبح بحاجة إلى عملية تغيير شاملة خرج رسول الله (ص) ليكون قائد عملية التغيير هذه. ولقد استطاع هذا الرسول العظيم في مدة وجيزة جدًّا أن ينقل هذه الأمة من حضيض الذل والمهانة إلى أوج العظمة والعزة والكرامة. وأن يغيير فيها كل عاداتها ومفاهيمها، وأن يقضي على كل أسباب شقائها وآلامها.


الرسول يحدث انقلابًا حقيقيًّا
لقد استطاع الإسلام في مدة لا تتجاوز سنواتها عدد أصابع اليدين أن يحقق أعظم إنجاز في منطقة كانت لها تلك الصفات والمميزات. وأن يحدث انقلابًا حقيقيًّا وجذريًّا في عواطف وسلوك وعقلية وأخلاق تلك الأمة، وفي مفاهيمها وأن ينقلها من العدم إلى الوجود ومن الموت إلى الحياة. ولقد عبّر عن ذلك جعفر بن طالب لملك الحبشة بعدما بيّن له الأوضاع المتردية التي كان يعيشونها قبل مبعث الرسول (ص) فقال: "فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولًا منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه فدعانا إلى الله لتوحده ونعبده ونخلع ما كنا نعبد نحن وأباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم وحسن الجوار والكف عن المحارم والدماء ونهانا عن الفواحش وقول الزور وأكل مال اليتيم ".

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة