قراءة في كتاب

المواكب العزائيّة في النّجف الأشرف

 

ربى حسين .. 

وأي دليل على مشروعيّة النّياحة والنّدبة أدل من وصيّة الإمام الباقر (ع) لولده الإمام الصّادق (ع) : "أوقف لي من مالي كذا وكذا لنوادب يندبنني عشر سنين بمنى أيّام منى". 
هكذا قدّم الدّكتور عبّاس الترجمان لكتابه "المواكب العزائية في النّجف الأشرف"، للتفصيل أكثر عن تاريخها، مشروعيّتها، وكيفيّتها. هذا الكتاب يرافق هذه الظّاهرة في حياة المسلمين وما يتبعها من مؤثرات محزنة نتيجة فقد عزيز، ويعتبر الكاتب أنّ النّياحة تبعًا للمؤثّرات المحزنة أمر طبيعي، أمّا من وجهة نظر الشّارع، فالأدلّة البيانيّة النّقليّة إضافة الى الأدلّة العقليّة الواصلة إلينا بطريقة صحيحة لا تنفي شرعيّتها، إذ تدل على جوازها بل على استحبابها وزيادة الأجر فيها.
فالبكاء على مصاب الرّسول الأعظم (ص) والأئمّة المعصومين(ع)، عمل يزخر بصور حيّة للمواكب العزائيّة لآل بيت رسول اللّه (ص)، وشخصيّات علمائيّة شيعيّة كان لها الدّور الفاعل في الحياة السّياسيّة والدّينيّة منذ عهد الإسلام الأوّل إلى الآن خصوصًا في النّجف الأشرف.


المجالس العزائيّة
 كان الحديث عن بداية المواكب العزائية من ليلة الحادي عشر من محرم حيث نصبت بنات الوحي والرّسالة النّياحة على أعزّتهن. وهكذا توالت هذه المجالس لدى الشّيعة منذ شهادة الإمام الحسين حتى يومنا هذا. وقد اشتهرت مدينة النّجف الأشرف بإقامة المواكب العزائيّة والمسيرات إضافة إلى المجالس العزائية وكان الشّيخ المرحوم عبد علي أمين أوّل رادود سمع به الدّكتور ترجمان.


المواكب الرّئيسيّة
ومن ثمّ انتقل الكاتب لعرض المواكب الأربعة الرّئيسيّة التي يخص كلّ منها محلة من محلّات المدينة القديمة. والبداية مع موكب المشراق وهو أوسع موكب في النّجف الأشرف، ومقرّه في عشرة محرّم الأولى مسجد الشّيخ الطّوسي. ويدير هذا الموكب آل الحاج سعد الحاج راضي، أمّا الرّواديد الّذين توالوا على منبر هذا الموكب الشّريف فنذكر منهم المرحومين: عبدعلي أمين وخليل الشّمّاع.
ويلي موكب البراق موكب المشراق من حيث السّعة والأهميّة ومقرّه في دار المرحوم السّيد مهدي الرّشدي في وسط محلّة البراق وفي مناسبات الوفيّات يخرج الموكبان إلى الصّحن الشّريف حيث يقرأ الرّادود قصيدة الجلوس والّتي تعنى بالمشاكل الآنيّة للمجتمع، واستبداد الظّالمين وغيره...
وأمّا موكب الحويش وهو ثالث المواكب العزائيّة من حيث الأهميّة، يرأسه آل السّيد سلمان وآل شربه ومقرّه في شهر محرّم في زقاق ضيّق قرب الفضوة الكبيرة، ويعتبر عبد الأمير التّرجمان أقدم رواديده. 
ورابعًا يأتي موكب العمارة ومقرّه في درعيّة الحاج عطيّة البوكلل زعيم مدينة النّجف الأشرف، ويذكر الكاتب أن أقدم رادود رآه لهذا الموكب هو المرحوم السّيد هاشم الرّادود ابن السيّد حمادي، إضافة إلى أنّ هذا الموكب يخرج في شهر محرّم فقط ويدخل من باب العمارة إلى الصّحن الشّريف ويمتاز بأنّه يسير على شكل كراديس يهتفون بالأهازيج الشّعبيّة، وكل كردوس يختصّ بعشيرة من عشائر المحلّة يحملون المشاعل النّفطيّة الّتي لها رؤوس متعدّدة ولكل عشيرة مشعل، ويدخلون بها إلى الصّحن الشّريف بدون تنظيم.
كما ذكر الكاتب عددًا من المواكب الفرعيّة كمواكب شباب شارع التّجار، وموكب أهل السّلابات، وموكب شباب علي بن الحسين، وموكب سامرّاء الّذي كان له رمزيّة خاصة لأن سامرّاء من المدن العراقيّة الّتي يقطنها إخواننا السّنة، وقد كان لهذا الموكب آثاره الاجتماعيّة والاقتصاديّة والثّقافيّة بين الطّائفتين الشّيعية والسنّية. كما ذكر الكاتب الى أنّ أهالي سامرّاء أخذوا يستقبلون الزّائرين برحابة صدر وحتّى أنّهم كانوا يسيرون بموكب إلى كربلاء بمناسبة أربعين الإمام الحسين(ع).


مواكب السّلاسل والتّشبيه 
وتحت هذا العنوان يذكر الكاتب نوعًا آخر من مواكب الّذين يحملون بأيديهم سلاسل حديد فيضربون بها أكتافهم وظهورهم حزنًا على سيّد الشّهداء (ع) وأسىً وأسفًا على ما فاتهم من نصره، يتقدّمهم جوق يضربون الطّبل والسّنج، ورجل ينفخ في البوق (النّفير) باعثًا فيهم الحماس. وعلى نغم قرع الطّبول والبوق يمشون في صفّين متقابلين، يتوسّطهم الرّادود ويضربون السّلاسل. ومن جملة هذه المواكب: موكب التّرك، والسّيد عباس أبو السّبح.
أمّا مواكب التّشبيه أي تمثيل المواكب التي كانت تمثّل واقعة كربلاء وهي فرق تمثيليّة مثل فرقة السيد عباس أبو السّبح، وخليل كور وفرقة السقائين العجم.


نظام المواكب
يتميّز موكب النّجف عن غيره من مواكب المدن العراقيّة التي تبدأ مسيرتها من اللّيلة الأولى من محرّم، أمّا في النّجف الأشرف فتبدأ المواكب من اللّيلة الثّامنة إلى الحادية عشر غالبًا، إلّا ما كان من موكب السّقائين الذين تبدأ مسيرتهم من اللّيلة السّابعة وهي اللّيلة المختصّة بأبي الفضل العبّاس(ع) ومقصد جميع مواكب الصّحن الشّريف، حيث ختامها.


حركة المواكب

وفي ليلة عاشوراء، وهي ليلة الختام، غالبًا يخلع أعضاء الموكب وجماهيره على الرّادود نقودًا تعرف بال "المنبريّة"، حيث يقف عضو الموكب في وسط الجماهير ويخاطب الرّادود قائلًا: شيخنا شيخ فلان، أو سيّدنا، هذه منبريّة الموكب الفلاني نرجو قبولها مع الاعتذار.
وفي ما خصّ ترتيب مسيرة المواكب، فتبدأ مواكب السّلاسل عصرًا ثمّ مواكب الشّموع وبعد المغرب تبدأ المواكب الصّغيرة الفرعيّة المتتالية حتى يصل الدّور إلى المواكب الأصليّة الكبيرة حيث يبدأ موكب العمارة فالحويش فالبراق ثمّ المشارق، وربّما يصل الدّور إلى هذا الأخير قرب آذان الصّبح أو بعده.
كما أن الكاتب ألحق في نهاية كتابه قسمًا يختصّ بذكر قائمة بأسماء الشّعراء الّذين عاصرهم أو أدركهم وذكر شيئًا من مواصفاتهم الّتي سمع بها أو عرفها تخليدًا لذكراهم. وتلا ذلك قائمة بأسماء الرّواديد مزوِدًا اللّائحتين بصورة لمن له صورة بحيازته، وهم حسب الحروف الهجائيّة.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة