قراءة في كتاب

على ضفاف سورة القدر


ربى حسين ..
هي مجموعة أبحاث قرآنية تفسيرية، يدور رحاها حول آيات سورة القدر المباركة، تفضل بطرحها سماحة العلامة الحجة السيد منير الخباز، في أيام شهر رمضان الفضيل للعام 1429هـ للهجرة النبوية المشرفة في مسجد الإمام علي (ع) في القطيف. وتصدّى الباحث الدكتور حسين علي جليح لصياغتها وتهذيبها وتخريج مصادرها وجمعها في كتاب "على ضفاف سورة القدر".


بين الإنزال والتنزيل
"إنّا أنزلناه في ليلة القدر"، هذه الفقرة الشّريفة تتضمّن فعلًا عدّة مطالب جليلة بيّنها الكاتب في الفصل الأول من الكتاب:
وقد استهل الحديث في الفصل الأول  بالتعرض للمراحل الثلاث التي مرّ بها كتاب اللّه عزّ وجل. ففي بادئ الأمر كان موجودًا في الكتاب المكنون، ثمّ تمّ إنزاله دفعة واحدة على قلب محمد (ص) وأخيرًا مرحلة تنزيله نجومًا لمدّة 23 سنة وهي عمر الدّعوة المحمّديّة.
أمّا عن أسبقيّة العلم بالقرآن بين النّبي (ص) والأمين جبرائيل (ع) توصّل الكاتب الى أنّ النّبي محمدًا كان يعلم بالقرآن قبل نزوله، لكنّ كان عليه أن ينتظر حتّى نزول الوحي عليه، والمصداق على ذلك الآية الكريمة: "ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه".


درجات تلقّي القرآن الكريم
 وقد تطرّق الكاتب إلى مراتب تلقّي نور القرآن الكريم، فبالدّرجة الأولى هناك "تلقّي الإيصال" الذي تشرّفت به الملائكة المقرّبون، ومن ثمّ "تلقّي الاستيداع" الّذي ناله قلب النّبي لأنّه حاز على أعلى درجات الطّهارة وأرقاها. أمّا الدّرجة الثالثة "تلقّي الاستنطاق" فهي درجة فهم القرآن وتطبيقه وتبليغه بالصورة الشّاملة والنّطاق الواقع، وهذا لا يتوفّر إلّا في جماعة مصطفاة وأئمة منتخبة من الله، وهم الأئمّة من آل محمد(ع)، وعليه فإنّه لمّا قابل خصوم علي(ع) ومناؤوه جيشه وشخصه بالقرآن للاحتجاج قال عليه السّلام: أنا القرآن النّاطق. وأخيرًا تأتي مرحلة استلهام الدّروس واستحضار العبر المتمثّلة بالدّرجه الرّابعة وهي "تلقّي العبر"، هذه الدّرجة الموجودة عند المؤمنين "أفلا يتدبّرون القرآن أم على قلوب أقفالها"، ويؤكّد الكاتب أنّ أفضل وقت للتّمعّن والتّدبّر هو شهر القرآن، وضيافة الله شهر رمضان.


السّيدة الزّهراء وليلة القدر
كما أوضح الكاتب الرّبط بين السيّدة فاطمة (ع) وليلة القدر، فعن الإمام الصّادق (ع) أنّه قال "إنّا أنزلناه في ليلة القدر، اللّيلة فاطمة". فالقرآن كان له تنزيل نزل على نبيّنا محمد (ص) وتأويله نزل على السّيدة الزّهراء(ع) ، لذلك صحّ أن يقال إنّ ليلة القدر فاطمة بلحاظ أنّها (ع) ظرف تأويل القرآن وليلة القدر ظرف تنزيله. وبما أن ليلة القدر هي ليلة التقدير، وتقدير أهل البيت نزل على فاطمة (ع)، تكون فاطمة هي ليلة القدر، بمعنى أنّها مستودع التّقدير الّذي يسري على محمد وآل محمد(ع) من أوّل السّلالة المباركة من الأئمّة إلى الإمام المهدي (عج).


عالم الأمر وقانون النّسبيّة
وهنا كان حديثه عن الأمر الذي بمعنى المشيئة لكن مصاديقه تختلف، فمرّة يكون مصداقه كلمة الإيجاد والإفاضة "إنّما أمره إذا أراد شيئًا أن يقول له كن فيكون"، وتارة يكون مصداقه الإلزام الشّرعي نحو قول الله عزّ وجل "فليحذر الّذين يخالفون عن أمره"، وتارة يكون مصداقه تدبير الشّؤون "وأوحى في كلّ سماء أمرها"، وتارة يكون مصداق الشّأن "تنزّل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر".
فإذا تعلّقت إرادة الله بإيجادها تحقّق إيجادها، لأنّ السّبب المؤثّر والوحيد في ذلك هو الله، وعليه فإنّ عالم الأمر لا تغيّر فيه بحيث أن قضاءه قضاء حتمي وراسخ. أمّا عالم الخلق هو عالم التّزاحم الّذي يقع بين الأسباب المادّية، وعلى إثر هذا تتحدد المسببات وتختلف النتائج. وهنا يكون القضاء غير حتمي والتّغيّر قابل للوقوع بخلاف عالم الأمر.


ماهية ليلة القدر
"وما أدراك ما ليلة القدر⁂ ليلة القدر خير من ألف شهر"
ومن ثمّ أتى الكاتب على البحث في الآيتين الثانية والثّالثة، حيث دلّت الآية الثانية على عظمة ليلة القدر وبركتها، أمّا الآية الثّالثة فقد ورد فيها رواية عظيمة عن الإمام الصادق، تجلي شيئًا من خفاياه وترفع جانبًا من أسراره فعنه أنّه قال: وفي ليلة القدر العمل فيها خير من عمل ألف شهر، وهذه الخيرية لليلة القدر لكونها معنونة بعنوان البركة، قال تعالى"إنّا أنزلناه في ليلة مباركة إنّا كنا منذرين".
وقد روي عن الصادق أنه قال: "التقدير في ليلة القدر تسعة عشر، والإبرام في ليلة إحدى وعشرين، والإمضاء في ليلة ثلاث وعشرين". وما هذا التّرديد إلّا لدفع النّاس وتشويقهم للاجتهاد في عبادة الله والتّقرّب منه، وبذل الجّهود في سبيل ذلك في هذه اللّيالي الثّلاث.

أمّا عن الآية الرابعة تطرّق الكاتب إلى أن تنزّل الرّوح والملائكة يكون بإذن من الله الواحد الأحد للقيام بكل أمر، فملائكة الرّزق تنزل لأجل نشر الرّزق، وملائكة الرّحمة تنزل لأجل نفث الرّحمة وبسطها على البلاد والعباد. وقد بدأ بالملائكة تسلسليًّا ثمّ أتى على ذكر الرّوح، ما يشير إلى حيثيّة ممايزة شأنيّة بين الملائكة والرّوح، وبكلمة إن عطف الرّوح على الملائكة هو دليل مغايرة، ذلك أن الرّوح أعظم وجودًا وأوسع نفوذًا من الملائكة "تنزّل الملائكة والرّوح فيها".


حتّى مطلع الفجر
وختامًا كان للكاتب وقفة مع الآية الرابعة والأخيرة من سورة القدر المباركة، التي في لبّها إضاءة على أنّ الرّحمة الإلهيّة عامّة لكل عباده المتوجهين إليه والسّائرين إلى رحاب ملكوته. فالمذنب يغفر له والمريض يكتب له الشّفاء والمحتاج تقضى حاجته وتلبّى طلبته في هذه اللّيلة الّتي هي سلام على جميع العباد.   
من هنا يجب على العبد المحب للكمال والعاشق له، أن يحاول بجدّية صادقة وعمل حثيث، الاقتراب من بحر المغفرة والرّضوان والفضل والحباء المطلق. راجيًا من الله عزّ وجل أن يتحصّل على رشحة من رشحات رحمة الله، ونفحة من نفحات سلامته ونسمة من نسمات بركته في هذه اللّيلة المباركة.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة