من التاريخ

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ جعفر السبحاني
عن الكاتب :
من مراجع الشيعة في ايران، مؤسس مؤسسة الإمام الصادق والمشرف عليها

معاهدة الدفاع المشترك بين المسلمين ويهود يثرب (1)


الشيخ جعفر السبحاني ..
كانت المشكلة الثانية التي يواجهها رسول الله صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله في المدينة ، هي مشكلة يهود يثرب الذين كانوا يقطنون المدينة وخارجها ، وكانوا يمسكون بأزمة التجارة والاقتصاد في تلك المنطقة.
لقد كان رسول الله صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله ، يدرك جيدًا أنه ما لم تصلح الأوضاع الداخلية في المدينة ، وما لم يضمّ الى صفوفه يهود يثرب ، وبالتالي ما لم يقم وحدة سياسية عريضة في مركز حكومته ، لن يتهيأ لشجرة الإسلام أن تنمو ، ولن يتهيّأ له صلى‌ الله ‌عليه ‌وآله أن يفكر في أمر الوثنيين والوثنية في شبه الجزيرة العربيّة ، ولا يستطيع معالجة المشكلة الثالثة أعني قريش بخاصة.
وبكلمة واحدة ما لم يستتبّ الأمن والاستقرار في مقر القيادة لن يمكن الدفاع ضدّ العدوّ الخارجي.
ولقد قام بين يهود المدينة والمسلمين في بداية هجرتهم إليها نوع من التفاهم لأسباب خاصة ، لأنّ كلا الجانبين كانا موحّدين يعبدان الله ، ويرفضان الأوثان ، وكان اليهود يتصوّرون أنهم يستطيعون ـ إذا اشتد ساعد المسلمين ، وقويت شوكتهم ـ أن يأمنوا حملات المسيحيين الروم ، هذا من جانب ، ومن جانب كان بينهم وبين الأوس والخزرج علاقات عريقة ومواثيق قديمة.
من هنا حاول النبيّ صلى‌ الله ‌عليه ‌وآله أن يكرّس هذا التفاهم ، ويبلوره بعقد معاهدة تعايش ، ودفاع مشترك بين الأنصار والمهاجرين وقّع عليها يهود المدينة أيضا (1).
وقد احترم رسول الله صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله في تلك المعاهدة دين اليهود وثروتهم في إطار شرائط معيّنة.
وقد أدرج كتّاب السيرة والمؤرّخون النصّ الكامل لهذه المعاهدة في كتبهم (2).
ونظرًا لأهميّتها الخاصّة ، ولأنها تعتبر مستندًا تاريخيًّا حيًّا ، قويّ الدلالة ، ولكونها تكشف عن مدى التزام رسول الإسلام العظيم صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله بمبادئ الحرية والنظم والعدالة ، ومبلغ مراعاته واحترامه لها في الحياة ، ولأنها تكشف لنا كيف أنها أوجدت جبهة متحدة قوية في وجه الحملات الخارجية نذكر هنا نقاطها الحسّاسة ونسجّلها كواحد من أكبر الانتصارات السياسية التي أحرزتها الحكومة الإسلامية الناشئة في العالم ذلك اليوم.


أعظم معاهدة تاريخية :
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا كتاب من محمّد النبيّ صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب ومن تبعهم ، فلحق بهم ، وجاهد معهم.
« البند الأوّل »
١ ـ إنّهم أمّة واحدة من دون الناس ، المهاجرون من قريش على ربعتهم ( أي على الحال التي جاء الإسلام وهم عليها) يتعاقلون بينهم ( أي يدفعون دية الدم ) وهم يفدون عانيهم ( أسيرهم ) بالمعروف والقسط بين المؤمنين.
٢ ـ وبنو عوف على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى ، كلّ طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين ، وهكذا بنو ساعدة وبنو الحارث ، وبنو جشم ، وبنو النجار ، وبنو عمرو بن عوف وبنو النبيت ، وبنو الأوس كلّ على ربعتهم ( والحال التي جاء الإسلام وهم عليها من حيث التعاون على الديات إلى أولياء المقتول ، ودفع الفدية معا لفك الأسير ).
٣ ـ وإنّ المؤمنين لا يتركون مفرحا ( أي مثقلا بالدين وكثير العيال ) بينهم أن يعطوه بالمعروف في فداء أو عقل ( أي دفع دية أو فداء أسير ).
٤ ـ وإنّ المؤمنين المتقين ( يد واحدة ) على من بغى منهم ، أو ابتغى دسيعة ( عظيمة ) ظلم أو إثم أو عدوان أو فساد بين المؤمنين ، وأنّ أيديهم عليه جميعًا ولو كان ولد أحدهم.
٥ ـ وأن لا يحالف مؤمن مولى ( أي عبد ) مؤمن دونه ( أي دون إذنه ).
٦ ـ وأن لا يقتل مؤمن مؤمنًا في كافر ( أي قصاصًا لمقتل كافر على يدي ذلك المؤمن ) ولا ينصر كافرًا على مؤمن.
٧ ـ وإنّ ذمة الله واحدة ( تشمل جميع المسلمين بلا استثناء ) يجير عليهم أدناهم ( فاذا أجار عبد مسلم كافرًا  قبلت إجارته واحترم أمانه ).
٨ ـ وإنّ المؤمنين بعضهم موالي بعض دون الناس.
٩ ـ وإنّه من تبعنا من يهود فإنّ له النصر والأسوة غير مظلومين ، ولا متناصرين عليهم.
١٠ ـ وإنّ سلم المؤمنين واحدة لا يسالم مؤمن دون مؤمن في قتال في سبيل الله إلاّ على سواء وعدل بينهم ( فلا يجوز لأحد أن ينفرد بعقد معاهدة صلح مع أحد من غير المسلمين إلاّ بموافقة المسلمين ).
١١ ـ وإنّ كلّ غازية غزت معنا يعقّب بعضها بعضًا ( أي يتناوب المسلمون في المشاركة في الجهاد ) ، وإنّ المؤمنين يبيء بعضهم على بعض بما نال دماءهم في سبيل الله ( أي يراق منهم الدم على السواء لا أن يتعرض للقتل بعض دون بعض ).
١٢ ـ وإنّ المؤمنين المتقين على أحسن هدى وأقومه.
١٣ ـ وأن لا يجير مشرك ( من مشركي المدينة ) مالًا لقريش ، ولا نفسًا ، ولا يحول دونه على مؤمن ( أي لا يمنعه من مؤمن ).
١٤ ـ وإنّه من اعتبط مؤمنًا ( أي قتل من المؤمنين مؤمنًا بلا جناية منه توجب قتله ) قتلًا عن بيّنة فإنّه قود به ( أي يقتل بقتله قصاصًا ) إلاّ أن يرضى وليّ المقتول. وإنّ المؤمنين عليه كافّة ، ولا يحلّ لهم إلاّ قيام عليه.
١٥ ـ وإنّه لا يحلّ لمؤمن أقرّ بما في هذه الصحيفة ، وآمن بالله واليوم الآخر ، أن ينصر محدثًا ( صاحب بدعة ) ولا يؤويه وأنه من نصره ، وآواه فعليه لعنة الله وغضبه يوم القيامة ، ولا يؤخذ منه صرف ولا عدل.
١٦ ـ وإنكم مهما اختلفتم فيه من شيء فإن مرده إلى الله عزّ وجلّ وإلى محمّد صلى‌ الله ‌عليه ‌وآله .
__________________
(1) المقصود منهم يهود الأوس والخزرج ، وأما يهود بني النضير ، وبني قينقاع ، وبني قريظة فقد عقد
(2) مثل السيرة النبوية : ج ١ ص ٥٠١.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة