لقاءات

باسم العيثان: الأوبريت بين التغييب والقولبة


نظمية الدرويش ..
"الأوبريت فن مستقلّ يعبق بالجمال والروعة"، بهذه الكلمات يبدأ الشاعر حديثه عن الأوبريت، فهو كذلك لأنه نتاج اندماج ألوان متعددة من السحر على حد تعبيره، وهي؛ المسرح، الشعر، الصوت، والنغم. ويضيف: "هذه التوليفة الساحرة هي التي تجعل من فن الأوبريت فنًّا متميزًا جاذبًا لكثير من المتلقين، هذا وموضوعات الأوبريت مختلفة ومتعددة، وغالباً ما تتناول الجوانب الوجدانية والوطنية والدينية وبصورة درامية جادة".


الحب من التجربة الأولى.
يظهر شغف العيثان جليًّا في حديثه حول هذا الفن، وعند سؤالنا له عن أسباب هذا التوجه، يستذكر الشاعر العراقي الولادة تجربة جميلة تختزن في وجدانه من أيام الدراسة الثانوية في مدرسة ثانوية "١٤تموز" في محافظة بابل، الحلة في العراق حيث ولد وترعرع. فقد شارك آنذاك مع فرقة الإنشاد في أوبريت وطني في عام ١٩٧٨. وعن هذه التجربة يقول العيثان: "وهذا ما ترك الأثر البالغ في عشقي لفن الأوبريت، حيث حفرت تلك التجربة بخيوط من النور في ذاكرتي، تتحين الفرصة كي تشع بطريقة أو بأخرى نحو الخارج حتى جاءت "فرقة الهدى" للإنشاد الإسلامي بالدمام، راغبة بعمل أوبريت في ذكرى ولادة الإمام المهدي (عج) في النصف من شعبان".
عن أوبريت المهدي يقول العيثان: "كان مُخطط للمشروع أن يكون عبارة إنشاد جماعي على المسرح فقط، وكنت سأكتب لهم النص الشعري، وحينها وجدت الفرصة أمامي متاحة لعمل الأوبريت بشكله التام وبتفاصيله التي تختمر في الذاكرة". ففن الأوبريت مختلفٌ تمامًا عما يروج له، فهو يتطلب بالإضافة إلى الإنشاد والشعر، حركة على خشبة المسرح متكاملة مع النص الإنشادي ومتممة له، الحماس الذي كان عند الفرقة بالإضافة إلى العمل الدؤوب لخلق عرض يليق باسم الأوبريت أثمر حينها عن عرض ناجح عام ٢٠٠٠ هو الأول من نوعه في المنطقة، واستمر لخمسة سنوات متلاحقة وأعقبه عروض أخرى في مناسبات ومناطق ودول مختلفة.


النص الأوبريت وكاتبه، الجندي المجهول.
يشدد العيثان على أهمية القصيدة بالنسبة للأوبريت، فالنص الشعري هو أحد الركائز الأساسية في إنجاح الأوبريت، بالإضافة إلى ركيزتي التمثيل والإنشاد، بما تحتويه من سيناريو وموسيقى، وكلما استطاع النص الشعري الاقتراب من الهدف المرسوم لموضوع الأوبريت، كلما ازدادت فرصة نجاحه في إيصال الرسالة المتوخاة منه، وهنا يكمن دور الشاعر صاحب النص.
فإذا ما كان النص مبدعًا وشيقًا، كان مفعول العرض أقوى وأشد تأثيرا في الحضور كــ"تأثير السحر" يقول العيثان. يكمل الشاعر وكاتب السيناريو حديثه عن العناصر التي تشكل عوامل القوة في الأوبريت، بحيث تكمن قوة تأثيره في منظومته الثلاثية التي تتكون من :الكلمة (شعر، حوار)، الصوت (الإنشاد، الموسيقى)، الصورة ( التمثيل، بيئة المسرح). كما ويمكن لسيناريو العمل إذا ما كان قويًّا أن يشكل الرابط الأساسي لإبراز هذه المنظومة بشكلها المنسجم المؤثر بالمتلقي.  
يضيف العيثان: "وكلما كان النص قريباً من المتلقي كلما استطاع أن يضمن وصول الرسالة بالشكل المناسب له، وهنا يتساوى النصان الشعبي والفصيح في ذلك، وإن كانت النصوص الشعبية هي الطاغية في كتابة الكثير من الأوبريتات، النص الأوبرالي يختلف عن النص العادي من حيث خدمته لموضوع الأوبريت والرسالة الخاصة المراد توصيلها من خلاله، حيث لا يمكن للنصوص المكتوبة بظروفها الخاصة أن تكون صالحة للإنشاد الأوبرالي ما لم تتفق في المضمون مع فكرة الأوبريت المراد".


يشرح الشاعر عن هذه الخاصية بالتحديد لملامستها للجمهور، فالكتابة للمتلقي العادي تختلف عن الكتابة للنخب، الكتابة في النوع الأول يتذوقها المتلقي العادي والمتلقي النخبة، وعلى العكس تمامًا في الكتابة في النوع الثاني الذي يكون المتذوق فيها المتلقي النخبة فقط.
هذا من جهة المتلقي، أما من جهة الكاتب فالأمر مختلف نسبيًّا، فلا يمكن للشاعر أن يكتب نصًّا لا يجد فيه ذاته ووجدانه يقول العيثان، ويضيف: "فذات الشاعر لا بد وأن تكون حاضرة في كتابته باختلاف أنواع تلك الكتابة، ومنه لا أجدني قادراً على كتابة نصٍّ ما لأوبريت أو لغيره، ما لم أجد ذاتي فيه، ومتى مالم يتعارض موضوعه (الأوبريت) مع قناعاتي الشخصية كتبته وإلا فلا، كذلك لو تعارضت كتابة نص السيناريو الراسم للعمل الدرامي للأوبريت مع الشعر (وإن قلّ ما يحدث ذلك) أنحاز وبشكل قوي إلى الشعر، فأنا شاعر بالدرجة الأولى، وكاتب للسيناريو بدرجة ثانية".


الأوبريت بين الأصل والتقليد.
يرفض الشاعر باسم العيثان تسمية العرض الإنشادي الجماعي الخالي من الحبكة الدرامية والحركة المسرحية بالأوبريت زورًا فهي مفهوم غير كامل للأوبريت . وبدوره يأسف العيثان للصورة المشوهة التي نراها اليوم للأوبريت، وكأي فن من الفنون الإنسانية تتخلله بعض السلبيات والشوائب، ومنها العروض المبتذلة التي تستغل قضايا الناس والشعوب لأجل أهداف تجارية بحتة. وفي هذا السياق يعلق الشاعر بالقول: "الفن الحقيقي لا يتعارض أبداً مع قدسية الرسالة المقدمة أو مع المقدس لدى المتلقي المستهدف برسالة ذلك الفن، والأوبريت ليس بدعاً عن هذه الفنون، والفنان الحقيقي الصادق يستطيع التمييز بين الفن الحقيقي الذي يمكنه العمل فيه ومعه، وبين المزيف الذي يجب عليه تجنبه".


الأوبريت بين القضية والدين.
إن الحالة الإنسانية هي من أشد القضايا التي تشغل بال الشاعر باسم العيثان والتي يستشعر معها بالتزام أخلاقي. و"إن لم يكن مقدساً بتناولها بحالة مستقلة أو متضمنة داخل نص عام ولائيّ كان أوغير ذلك !" يقول الشاعر. أما بخصوص التجارب في الأوبريت الولائي التي مر بها فبرأي العيثان كانت من أهم التجارب، وما زالت، في محطات حياته الشعرية الخاصة بفن الأوبريت.
وفيما لا يظن العثيان أن هذا الفن غائب في المسرح العربي بشكل عام يقول: "نستطيع أن نقول إنه غائب عن مسرح بعض الدول العربية ومنها دول الخليج وبلدنا بالذات، وذلك لأسباب عدة من أهمها في وجهة نظري التعاطي غير الواعي مع الحالة الدينية، وما سببه غياب شبه تام للفنون المسرحية والمسرح وتعطيل وظيفته السامية في معالجة القضايا الإنسانية والمجتمعية بشكل راق وملائم وبما لا يتعارض ومقدسات المتلقين وشعائرهم الدينية ". وهذا ويعزو الشاعر هذا التغييب إلى جانب بعض الأسباب الأخرى التي لا تقل أهمية عن السبب السابق كالثقافة السائدة ومفهوم الفنون المرتبك لدى شريحة كبيرة من المجتمع.
في الختام يشكر الشاعر باسم العيثان شبكة فجر الثقافية على النافذة التي فتحتمها من خلال هذه السطور، لإطلاع المتلقي على فن من أجمل الفنون على خشبة المسرح الساحرة ألا وهو فن الأوبريت .
يمكن للقراء الأعزاء الاطلاع على بعض أعمال فرقة الهدى في الأوبريت على اليوتيوب تحت عنوان اسم الفرقة أو تحت عنوان مسميات الأوبريت.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة