من التاريخ

هجرة المسلمين إلى الحبشة

 

الفضل بن الحسن الطبرسي ..
قال المفسرون ائتمرت قريش أن يفتنوا المؤمنين عن دينهم، فوثبت كل قبيلة على من فيها من المسلمين يؤذونهم ويعذبونهم، فافتتن من افتتن وعصم الله منهم من شاء ومنع الله رسوله بعمه أبي طالب، فلما رأى رسول الله ما بأصحابه ولم يقدر على منعهم، ولم يؤمر بعد بالجهاد، أمرهم بالخروج إلى أرض الحبشة، وقال إن بها ملكاً صالحاً لا يظلم ولا يظلم عنده أحد، فاخرجوا إليه حتى يجعل الله عز وجل للمسلمين فرجاً.
وأراد به النجاشي واسمه أصحمة وهو بالحبشية عطية وإنما النجاشي اسم الملك كقولهم تبع وكسرى وقيصر، فخرج إليها سرًّا أحد عشر رجلاً وأربع نسوة وهم عثمان بن عفان وامرأته رقية بنت رسول الله والزبير بن العوام وعبد الله بن مسعود وعبد الرحمن بن عوف وأبو حذيفة بن عتبة وامرأته سهلة بنت سهيل بن عمرو ومصعب بن عمير وأبو سلمة بن عبد الأسد وامرأته أم سلمة بنت أبي أمية وعثمان بن مظعون وعامر بن ربيعة وامرأته ليلى بنت أبي خيثمة وحاطب بن عمرو وسهل بن البيضاء، فخرجوا إلى البحر وأخذوا سفينة إلى أرض الحبشة بنصف دينار، وذلك في رجب في السنة الخامسة من مبعث رسول الله، وهذه هي الهجرة الأولى ثم خرج جعفر بن أبي طالب وتتابع المسلمون إليها، وكان جميع من هاجر إلى الحبشة من المسلمين اثنين وثمانين رجلاً سوى النساء والصبيان، فلما علمت قريش بذلك وجهوا عمرو بن العاص وصاحبه عمارة بن الوليد بالهدايا إلى النجاشي وإلى بطارقته ليردوهم إليهم، وكان عمارة بن الوليد شابًّا حسن الوجه، وأخرج عمرو بن العاص أهله معه، فلما ركبوا السفينة شربوا الخمر فقال عمارة لعمرو بن العاص قل لأهلك تقبلني فأبى، فلما انتشى عمرو دفعه عمارة في الماء ونشب عمرو في صدر السفينة وأخرج من الماء وألقى الله بينهما العداوة في مسيرهما قبل أن يقدما إلى النجاشي، ثم وردا على النجاشي فقال عمرو بن العاص أيها الملك إن قوماً خالفونا في ديننا وسبوا آلهتنا وصاروا إليك فردهم إلينا، فبعث النجاشي إلى جعفر فجاءه، فقال يا أيها الملك سلهم أنحن عبيد لهم، فقال لا بل أحرار، قال فسلهم ألهم علينا ديون يطالبوننا بها، قال لا ما لنا عليكم ديون، قال فلكم في أعناقنا دماء تطالبونا بها، قال عمرو لا.
 قال فما تريدون منا آذيتمونا فخرجنا من دياركم، ثم قال أيها الملك بعث الله فينا نبيًّا أمرنا بخلع الأنداد وترك الاستقسام بالأزلام، وأمرنا بالصلاة والزكاة والعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، ونهانا عن الفحشاء والمنكر والبغي، فقال النجاشي بعث الله عيسى، ثم قال النجاشي لجعفر هل تحفظ مما أنزل الله على نبيك شيئًا، قال نعم فقرأ سورة مريم فلما بلغ قوله {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا} [مريم : 25] قال هذا والله هو الحق فقال عمرو أنه مخالف لنا فرده إلينا .
فرفع النجاشي يده وضرب بها وجه عمرو، وقال اسكت والله لئن ذكرته بعد بسوء لأفعلن بك، وقال أرجعوا إلى هذا هديته، وقال لجعفر وأصحابه امكثوا فإنكم سيوم، والسيوم الآمنون، وأمر لهم بما يصلحهم من الرزق فانصرف عمرو وأقام المسلمون هناك بخير دار وأحسن جوار، إلى أن هاجر رسول الله وعلا أمره وهادن قريشًا وفتح خيبر، فوافى جعفر إلى رسول الله بجميع من كانوا معه، فقال رسول الله لا أدري أنا بفتح خيبر أسر أم بقدوم جعفر.
ووافى جعفر وأصحابه رسول الله في سبعين رجلاً، منهم اثنان وستون من الحبشة، وثمانية من أهل الشام فيهم بحيراء الراهب فقرأ عليهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) سورة يس إلى آخرها، فبكوا حين سمعوا القرآن وآمنوا، وقالوا ما أشبه هذا بما كان ينزل على عيسى، فأنزل الله فيهم هذه الآيات، وقال مقاتل والكلبي، كانوا أربعين رجلاً اثنان وثلاثون من الحبشة وثمانية من أهل الشام، وقال عطا كانوا ثمانين رجلاً أربعون من أهل نجران من بني الحرث بن كعب واثنان وثلاثون من الحبشة وثمانية روميون من أهل الشام .

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة