قراءة في كتاب

إنسان بعمر 250 سنة: لإرساء قواعد الدّين الإسلامي

 

ربى حسين ..

في العام 1986 طرح الإمام الخامنئي في المؤتمر العالمي للإمام الرّضا (ع) مفهومًا متقدّمًا وكبيرًا "إنسان بعمر 250سنة"، والفكرة الرّئيسيّة الّتي تبنى عليه هذه الرّؤيا؛ هي النّظر إلى الأئمّة على أنّهم شخص واحد يحيا بأهداف واضحة ومحدّدة على المستوى المرحلي والاستراتيجي؛ يسعى دون كلل أو ملل للوصول إلى هذه  الأهداف، والتي هي نفسها أهداف هذا الدين الحنيف والرسالة المحمدية الأصيلة. وقد امتدت حياة هذا الإنسان على طول حياة الأئمة (ع)، أي من سنة 11 للهجرة حتى عام 260 للهجرة. 

وكتاب "إنسان بعمر 250 سنة" هو عبارة عن مجموعة من المحاضرات والدراسات التي ألقاها ودوّنها الإمام الخامنئي في سيرة الأئمة الأطهار عليهم السلام.

 

إنّما بعثت لأتمّم مكارم الأخلاق

  استُهلَ الفصل الأوّل من الكتاب بالحديث عن حياة الرّسول المؤسّس الأول للنظام الإسلامي. وقد وُجدت البعثة في هذا العالم لأجل هذا الهدف، من أجل تعميم المكارم الأخلاقيّة، والفضائل الروحيّة وتكميلها عند الناس. وطالما أنّ المرء لم يتحلَّ بأفضل المكارم الأخلاقية، فإنّ الله تعالى لن يوكل إليه هذا المهمّة العظيمة والخطيرة، ولهذا فإنّ الله سبحانه يخاطب النبيّ (ص) في أوائل البعثة قائلاً: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾. قد شرع منذ اللحظة الأولى من البعثة في دخول مرحلة من الجهاد الشامل والبالغ المشقّة والمكابدة، استغرقت ثلاثاً وعشرين سنة، وكل هذا كان نموذجاً للكفاح والمجاهدة والعمل الدؤوب. لقد كان جهاده (ص) جهاداً مع نفسه، ومع أناس لا يدركون من الحقيقة شيئاً، ومع ذلك المحيط الّذي كان يعمّه ظلامٌ حالك ومطبق. ويقول أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة في وصف ذلك: "في فِتَنٍ دَاسَتْهُمْ بِأَخْفَافِهَا، وَوَطِئَتْهُمْ بأَظْلاَفِهَا، وَقَامَتْ عَلَى سَنَابِكِهَا".

 

غدير خم ومستقبل النّظامي الإسلامي

يؤكّد الإمام الخامنئي أنّ قضية الغدير ليست قضية تاريخية بحتة، بل إنها علامة على جامعية الإسلام. وإذا ما افترضنا أنّ النبيّ الأكرم (ص) لم يترك للأمّة منهاجاً لبناء مستقبلها، بعد عشر سنوات أمضاها في تحويل ذلك المجتمع البدائيّ، الملّوث بالعصبيات والخرافات، إلى مجتمعٍ إسلاميٍّ راقٍ، بفضل سعيه الدؤوب وما بذله أصحابه الأوفياء من جهود، لظلّت كلّ تلك الإنجازات مبتورة وبلا جدوى. وهذا ما صرّحت به الآية المباركة من سورة المائدة، وهي قوله تعالى:﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا﴾ فهذه إشارة إلى أنّ هذه النعمة هي نعمة الإسلام ونعمة إرشاد العالمين جميعاً إلى الصراط المستقيم. وهذا ما لا يمكن أن يتمّ بلا خارطة للطريق بعد الرسول (ص). وهذا عين ما فعله (ص) في الغدير، حيث نصّب للولاية خليفةً ممتازاً لا نظير له وهو أمير المؤمنين عليه السلام، لما كان يتمتّع به من شخصية إيمانية فريدة، وأخلاق سامية حميدة، وروح ثورية وعسكرية متميّزة، وأمر الناس باتّباعه.

 

الإمامة والمعصومون

وقد فتح السّيد الخامنئي الباب على مسألة الإمامة الّتي تعتبر مسألة جدليّة عند بعض المذاهب الإسلاميّة. الإمامة هي تلك القمّة للمعنى المنشود من إدارة المجتمع، قبال ضروب وأصناف الإدارة المنبثقة من مكامن الضعف والشهوة والحميّة في الإنسان ومطامعه. والإسلام يطرح أمام البشرية نهج الإمامة وصفتها، أي ذلك الإنسان الطافح قلبه بفيض الهداية الإلهية، العارف بعلوم الدين المتميّز بفهمه - أي الّذي يجيد تشخيص الطريق الصحيح - ذو القوّة في عمله ﴿يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ﴾، ولا وزن لديه لنفسه ورغباته الشخصية، في حين أنّ أراوح الناس وحياتهم وسعادتهم تمثّل كلّ ما لديه. وهذا ما عبّر عنه أمير المؤمنين عليه السلام عملياً أثناء حكمه الّذي استمرّ أقل من خمس سنوات. تلك الفترة الّتي كانت أقل من خمس سنوات لكنّها كانت امتدادًا لعمر النّبي وعطاءاته وتضحياته. وهذه هي ثمرة واقعة الغدير، والدرس والمغزى والتفسير المستقى منها.

كما أنّ أئمّتنا وطيلة الـ 250 سنة للإمامة - أي منذ رحيل نبيّ الإسلام المكرّم صلى الله عليه وآله وسلم وإلى زمن وفاة الإمام العسكري - قد لاقوا الكثير من التعذيب والقتل والظلم بسبب دفاعهم عن الرّسالة التبشيريّة، وحريٌّ بنا أنّ نستحضر مظلوميتهم الّتي تستحضر القلوب والعواطف، لأنّها كانت السّبب في إيصال الإسلام المحمدي الأصيل إلى يومنا هذا.

 

خصائص المجتمع المهدوي

وقد تطرّق السّيد الخامنئي في القسم الأخير من الكتاب؛ الى خصائص المجتمع المهدوي الّذي أراده النّبي كما الأئمّة من ولده. ومن خصائص المجتمع المثاليّ الّذي يصنعه إمام الزمان صلوات الله عليه، هو الارتقاء بمستوى الفكر البشريّ، سواء على المستوى العلميّ الإنسانيّ أو المعارف الإسلاميّة.

كما أشار الى المسؤوليّة الملقاة على كلّ مسلم في زمن الغيبة. هنا وصلنا في رحلتنا الزمنية إلى سنة 260هـ  لتتوّج مسيرة هذا الإنسان ببدء تاريخ جديد يؤسس للمحطة التاريخية المنتظرة، التي ستصل إلى زمان تملأ فيه الأرض بالقسط والعدل بعد امتلائها بالجور والفساد.

إنّ الوجود المقدّس لحضرة بقيّة الله، هو عبارة عن استمرار النبوّات والدعوات الإلهية منذ بداية التاريخ حتّى النّبي الأعظم، مرورًا بقضيّة الوصيّة وأهل بيت هذا النبيّ العظيم، إلى أن يصل الأمر إلى إمام الزمان، فالجميع عبارة عن سلسلة متّصلة ومرتبطة ببعضها في تاريخ البشريّة. وهذا بمعنى أنّ تلك الحركة العظيمة للنبوّات وتلك الدعوات الإلهيّة بواسطة الرّسل، لم تتوقّف في أيّ مقطعٍ من الزمان.    

وقد ختم قائلا: "يجب أن تصبح كلّ قوانيننا ومقرّرات بلدنا وإداراتنا ومؤسّساتنا التنفيذية والكل إسلامياً بلحاظ الظاهر والمحتوى، وأن نقترب نحو أسلمتها يوماً بعد يوم. هذه هي الجّهة الّتي تمنحنا وتمنح حركتنا معنى انتظار وليّ العصر".

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة